نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تحليلا كتبته أستاذة العلوم السياسة بجامعة برنارد الأمريكية، شيري بيرمان، تتناول فيه الانتخابات الألمانية 2017 وفوز أنجيلا ميركل بولاية رابعة كمستشارة لألمانيا. وأشارت بيرمان إلى أنه على الرغم من أن إعادة انتخاب ميركل كان أمرا متوقعا إلا أن المفاجئة كانت في عدد من الاتجاهات الجديدة المثيرة للقلق التي أبرزتها تلك الانتخابات، حيث لن تؤثر فقط على ألمانيا بل على بقية أوروبا، أهمها الصعود البارز لليمين المتطرف. وإليكم نص المقال: كان الإجماع طوال فترة الانتخابات الألمانية 2017 أن هذا التصويت ممل. ففي أوروبا التي أفسدها ارتفاع معدل البطالة، وركود النمو والسياسات التي لا يمكن التنبؤ بها، يتم النظر إلى ألمانيا باعتبارها معقل الاستقرار، حيث اقتصاد مزدهر ومعدلات بطالة منخفضة. لذلك، توقعت جميع الاستطلاعات أنه سيعاد انتخاب المستشارة أنجيلا ميركل التي حكمت البلاد لمدة 12 عاما. شعبية ميركل تستند إلى حد كبير للهدوء والبراجماتية وحالة الاستقرار التي تحققها. ووعدت ميركل الألمان، إذا أعيد انتخابها، بمزيد من الشيء نفسه. وجاءت النتائج مطابقة للتوقعات. فازت ميركل وحزبها، حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) . لكن ما جاء مغايرا للتوقعات هو أنه في ظل هذه الاستمرارية، ظهرت هزات زلزالية لن تؤثر فقط على ألمانيا بل على بقية أوروبا كلها. الحزب فاز لكن ضعيف: حصل "حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي" (CDU/CSU)، وهو تحالف سياسي من حزبين سياسيين، الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) والاتحاد الاجتماعي المسيحي في ولاية بافاريا (CSU)، على 33% فقط من الأصوات، وهي أسوأ نتيجة له منذ عام 1949. والواقع أن ميركل كانت تأمل في تشكيل ائتلاف مع "الحزب الديمقراطي الحر" (FDP)، وهو الشريك الليبرالي التقليدي للاتحاد الديمقراطي المسيحي. لكن تلقت هذه الأحزاب معا أقل من 45% من الأصوات، وهي نسبة غير صالحة لتشكيل حكومة أغلبية. لذلك يبدو أن ائتلاف الأغلبية الصالح الوحيد الآن هو بين الاتحاد الديمقراطي المسيحي والحزب الديمقراطي الحر وحزب الخضر. ومع ذلك، فإن مثل هذا التحالف سيكون في أحسن الأحوال غير عملي وفي أسوأ الحالات غير قابل للتطبيق، حيث هناك اختلافا كبيرا بين هذه الأحزاب حول العديد من القضايا الرئيسية. فالفصيل المحافظ في حزب ميركل ينظر إلى الخضر باستياء وعدم ترحيب. أداء أفضل من الاشتراكي الديمقراطي: كان الاتجاه الثاني المزعج الذي أبرزته الانتخابات الألمانية هذا العام هو تراجع الحزب الحاكم المحتمل تاريخيا في ألمانيا، "الحزب الاشتراكي الديمقراطي "SPD، الذي تمكن من الحصول على 20% فقط من الأصوات. وكانت هذه أسوأ نتيجة له منذ الحرب العالمية الثانية. هذا التراجع يعكس تراجع أحزاب يسار الوسط في أوروبا بشكل عام، وهو اتجاه يبعث على القلق الشديد. تاريخيا كغيره من أحزاب يسار الوسط والعمالية، ظهر الحزب الاشتراكي الديمقراطي كبطل للعمال والفقراء والمحرومين. وبعد أن فقد ذلك الدور، فإن أعضاء ومؤيدي هذه الأحزاب غالبا سيتجهون إلى أحزاب متطرفة سواء كانت يسارية أو يمينية. وكما هو الحال في بقية أوروبا، أدى تراجع اتجاه يسار الوسط في ألمانيا وأماكن أخرى إلى جعل تشكيل حكومات مستقرة ومتسقة أكثر صعوبة، مما يزيد من صعوبة التعامل مع المشاكل، ويجعل الناخبين أكثر انفصالا عن الأحزاب التقليدية وأكثر إحباطا من المؤسسات الديمقراطية. صعود اليمين المتطرف: أما الاتجاه الثالث المثير للقلق الذي شهدته الانتخابات فكان صعود "حزب البديل من أجل ألمانيا AfD". صحيح أن نسبة 13% من الأصوات تبدو ضئيلة نسبيا مقارنة بما حصلت عليه الجبهة الوطنية في فرنسا أو فوز دونالد ترامب في الولاياتالمتحدةالأمريكية. لكن في ألمانيا – مع تاريخها الطويل من التطرف اليميني تحت أدولف هتلر والحقبة النازية – هذه النسبة صدمة زلزالية. بذلك، سيتم تمثيل حزب يميني متطرف في البرلمان الألماني لأول مرة منذ 50 عاما كما أن حزب "البديل من أجل ألمانيا" أصبح الآن ثالث أكبر حزب في البلاد – بعد الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاشتراكي الديمقراطي. وفي ألمانياالشرقية، هو أكبر من الاشتراكي الديمقراطي وبالتالي هو المعارض الرئيسي في المنطقة. دخول البرلمان لن يوفر فقط لحزب "البديل من أجل ألمانيا" منصة أكبر ومزيد من الدعاية؛ بل سيحقق له تلقي أيضا التمويل والموارد الأخرى التي يحق لجميع الأحزاب البرلمانية. حزب "البديل من أجل ألمانيا" حزب يميني متطرف، يتصدر قادته بانتظام تصريحات عنصرية ومناهضة للإسلام، ويقللون من الجرائم النازية ويزعمون باستمرار أنهم "سيعيدون بلادهم" من أعدائها المزعومين. وفي13 مارس 2016، أعلن الحزب إدراج منع الحجاب في الجامعات والمؤسسات العامة ضمن برنامجه الانتخابي. وهنا المشكلة المقلقة للغاية: حصول حزب يمين متطرف على دعم كبير حتى في ألمانيا، البلد التي لها تاريخ يحذر من ما يمكن أن يفعله اليمين المتطرف في السلطة، واهتمت مؤسساتها السياسية منذ زمن طويل بمواجهته. عواقب واسعة النطاق: الاتجاه الأكثر إثارة للقلق من الجميع هو أنه وراء الاستمرارية التي قدمها النصر الانتخابي الرابع غير المسبوق لميركل، فإن القوى المزعزعة للاستقرار يبدو أنها تُعيد تشكيل ألمانيا وبقية أوروبا بشكل عميق. كثيرون داخل حزب ميركل يكرهون مركزيتها البرجماتية، ولكنهم يفتقرون إلى القدرة على الإطاحة بها أو نقل الحزب إلى اليمين. إذا كانت نتائج الانتخابات قد جاءت مغايرة أو ائتلافا غير فعال في مرحلة ما بعد الانتخابات أضعف ميركل أو أنها قررت في مرحلة ما الاستقالة، فإن الانقسامات بين الوسطيين والمحافظين داخل الاتحاد الديمقراطي المسيحي ستنفجر جيدا. ومع ذلك، فإنه ليس مجرد الانقسامات داخل حزب ميركل التي سلطتها الشخصية وشعبيتها قد تكون تخفيها، فقد حدثت تحولات سلبية في المواقف داخل المجتمع الألماني بشكل عام. خلال حملة الانتخابات كشفت الاستطلاعات أن حوالي 40% من الناخبين الألمان يتفقون مع حزب "البديل من أجل ألمانيا" حول قضايا مثل الهجرة وكيفية التعامل المتسامح مع ماضي ألمانيا وحقبتها النازية، على عكس جميع الأحزاب الأخرى. العديد من الناخبين الذين يختلفون مع الاتحاد الديمقراطي المسيحي بشأن هذه القضايا عالقون مع الحزب على أي حال لأنهم يثقون بقدرة ميركل على حماية الاستقرار والأمن. ولكن إذا انخفضت شعبيتها أو اضطرت إلى التنحي، فإن العديد من هؤلاء الناخبين قد يتجهون إلى أحزاب يمينية متطرفة، الأمر الذي يهدد بتقويض استقرار ألمانيا. عدم الاستقرار السياسي في أقوى دولة في أوروبا سيكون له عواقب وخيمة على الاتحاد الأوروبي والديمقراطيات الليبرالية وأوروبا ككل. المقال من المصدر: اضغط هنا