بصوت يملؤه الحزن وتلونه الدموع، روى أهالي شباب النوبة، الذين قبلت محكمة أسوان الاستئناف المقدم من النيابة على قرار إخلاء سبيلهم، وقررت تجديد حبسهم 15 يوما على ذمة التحقيقات، محنتهم في حبس شبابهم، في القضية التي باتت تعرف ب"مسيرة الدفوف" بأسوان. وتعود الأحداث إلى الثالث من سبتمبر الجاري، حينما تجمع العشرات من الناشطين النوبيين في «يوم التجمع النوبي» لتجديد المطالبة ب«حق العودة»، وفقًا لما نَصّت عليه المادة 236 من الدستور، إلى مناطقهم الأصلية التي تم إجلاؤهم منها، وتم خلاله القبض على 24 منهم من بينهم المحاميان محمد عزمي، ومنير بشير، بتهم «التحريض على التظاهر، وتعطيل وسائل المواصلات العامة، والتظاهر بدون ترخيص»، فضلًا عن «حيازة منشورات». "كأم تاه عنها وليدها الصغير، مازلت أشعر بآثار قبضة يده وأنا أضغط عليها بقوة حتى لا يفلت مني وسط الزحام والضرب على أيدي العساكر الذين كانوا يجرونه بعنف إلى سيارة الترحيلات"، هكذا بدأت سهام، الشقيقة الكبرى لمحمد عثمان، 19 عاما، المقبوض عليه في مسيرة الدفوف. وقالت سهام ل"البديل": "هو الولد الوحيد لثلاث بنات، هو فرحة البيت، طالب متفوق يدرس بالفرقة الثانية في كلية الهندسة، بالأكاديمية الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى بالإسكندرية، وجاء إلى أسوان ليقضى إجازة العيد مع العائلة، ولم يكن يدرى أنها زيارة مختلفة تلقى به ظلما خلف أسوار السجن، وكان من المقرر أن يعود لدراسته منذ أسبوعين". وأضافت: "لم يكن محمد مشاركا في المسيرة، ولكنه كان عائدا من فرح أحد أصدقائه، وتصادف مروره أثناء حصار الأمن للحديقة التي شهدت إقامة الاحتفالية النوبية، فنزل مسرعا ليحمي البنات عندما شاهد ضرب العساكر لهن، فتم القبض عليه، ولذا فنحن نطالب بالإفراج عنه وعن باقي الشباب الذين لم يرتكبوا جريمة سوى أنهم كانوا يحملون الدفوف، ويملأون الدنيا غناء.. على الحكومة أن تفرج عن المستقبل والأمل". غاضبا، يروي حسن كامل، قصة شقيقه الأصغر قائلا: "لم يكن أخي مصطفى، الشاب العشريني، يعلم عندما وصل من السعودية لقضاء عيد الأضحى مع أسرته هذا العام، أنها رحلة بلا عودة، وأن مستقبله الذي يبني فيه منذ 4 سنوات تحمل خلالها شقاء الغربة وحرمانها ليتمكن من شراء شقته ليتزوج ويُكون أسرة مثل أي شاب، أن أحلامه ستتبخر على نغمات الدفوف النوبية، التي اعتبرتها الدولة جريمة يعاقب عليها القانون". وأضاف كامل ل"البديل": "مش فاهم ولا عارف إيه الجريمة اللى ارتكبها اخويا وزملاؤه حتى يحدث كل ذلك .. سجن، محاكم، نيابات، أي منشورات يحملها الشباب تخرب الوطن وتقلب نظام الحكم؟، هل الدفوف والغناء أصبح جريمة الآن، إذن على الدولة أن تحاكم أحمد منيب ومنير عندما تغنوا للعودة وبلاد الدهب".. وتابع: "مصادفة حزينة ساقت أخي لمصيره، عندما قرر شراء تذاكر العودة (أسوان – جدة) لانتهاء إجازته، ولكن بحنين الغائب عن الاهل والبلد لسنوات، وافق على اقتراح أحد أصدقائه حضور احتفالية حديقة درة أسوان التي كان من المقرر تنظيمها 3 سبتمبر، وبالفعل بعد شراء التذاكر، ذهبا للاحتفالية التي تم إلغاؤها أمنيا، قبل القبض على المسيرة" وقال بألم: "كفاية ظلم بقى.. الدولة بتظلم فى النوبيين أجدادا وأحفادا، اتهجرنا 4 مرات، وفى الآخر تحولنا لخونة وعملاء وممولين من الخارج، وسجن شبابنا، لمجرد أنهم يطالبون بحق العودة، والغريب أن رئيس الاتحاد النوبي العام بأسوان لا يناقش الأزمة، وعضو مجلس النواب ياسين عبد الصبور، يطالب الأهالي بالصمت". عبد الله حربي، شاب آخر روى محنة اعتقال شقيقه، فقال: "لم أعد أحتمل النظر في عيني أبي وأمي، اللذين ضاعف الحزن على شقيقي مرضهما وعجزهما، وانتهت الحجج المستمرة بإقناعهما بأن عبد القار سوف يخرج قريبا من السجن.. لقد توقفت الحياة في منزلنا الصغير". وأضاف ل"البديل": "عبد القادر مثل أي شاب نوبي مكافح، اغترب عن أسوان للعمل بالقاهرة كمندوب للمبيعات بإحدى شركات الإعلان قبل 7 سنوات، لتصبح الأعياد الفرصة الوحيدة للتجمع مع الأحباب، ولكن تحول العيد هذا العام إلى مناسبة حزينة بعدما غابت ضحكته عن المنزل". "خلي بالك من امك وابوك.. مفيش غيرك دلوقتى معاهم" رجاء كرره عبد القادر من محبسه عبر 3 زيارات لأخيه، حاملا، وهو خلف الأسوار، هموم أسرته التي كان مسؤولا عنها، فيما طالب عبد الله، الجهات الأمنية والرئيس السيسي بالنظر في قضية شباب النوبة، مؤكدا أنهم لم يرتكبوا جريمة عندما خرجوا بسلمية للاحتفال بالعيد والغناء بالدفوف، التي هي رمز السلام والموسيقى بأسوان، لحلم العودة الدستوري المشروع، على حد قوله. لم يستطع وليد محمد، أن يحاصر دموعه من الاندفاع وهو يحكي عن أبناء أخيه السجين، أحمد محمد الشهيري، حيث تألم الأبناء من قول أصحابهم لهم "أبوكم مسجون ومش هتشوفوه تاني". وقال وليد: "مستقبل شقيقي في خطر، فهو موظف بعقد مؤقت، في المجلس المحلي لغرب أسوان، وهو آخر فرصة لاستقراره الوظيفي بعد بلوغه سن 38 عاما، ولديه 3 أطفال. وأضاف: "أخي لم يكن مشاركا في المسيرة، بل كان ذاهبا مثل أي مواطن لحديقة الدرة بأسوان ليتنزه مع أولاده، وفجأة تطورت الأحداث وحاصر الأمن طريق الكورنيش وألقى القبض على كثير من الموجودين.. لم يحمل أخي منشورات ولم يحرض على إسقاط الدولة، فهو مواطن بسيط، لايفهم في السياسية أصلا".