"كلما ذكروا لي الخطوط الحمراء طار صوابي, أنا أعرف خطًّا أحمرًا واحدًا : أنه ليس من حق أكبر رأس أن يُوقِّع وثيقة استسلام و تنازل ل "إسرائيل.." هكذا كان مقاتلا بدرجة فنان ، سلاحه الورقة والقلم وتلك الرسوم التي هزت العالم اجمع ، وتظل شاهدا عن قضية وطن عربي لا يموت ، عن ظلم عدوان غاشم مغتصب لأرض عربية ، وعن أنظمة عربية خانعة لم تحرر فلسطين إلى اليوم .. هو ناجى العلى .. في ذكرى وفاته.. 30 عام من الغياب رغم الحضور .. ناجي العلي (1937 إلى 29 أغسطس 1987)، رسام كاريكاتير فلسطيني، تميز بالنقد اللاذع في رسومه، ويعتبر من أهم الفنانين الفلسطينيين. له أربعون ألف رسم كاريكاتوري، اغتاله مجهول في لندن عام 1987. أطلق عليه النار فأصابه في عينه اليمنى، وظل في غيبوبة حتى وفاته في غشت عام 1987. ولم تعرف على وجهة الدقة الجهة التي خططت لاغتياله، حيث وجهت أصابع الاتهام للمخابرات الصهيونية (الموساد). فيما اتهم آخرون منظمة التحرير الفلسطينية وأنظمة عربية أخرى بالوقوف وراء مقتله بسبب نقده للمنظمة. يقول الدكتور أحمد الخميسي الأديب والروائي في تصريحات خاصة ل" البديل" أن العلى هو نموذج للفنان المقاتل، الذي أبدع من أرض النار، ولا ينتمي لنوعية الفنانين الذين يناضلون من منازلهم، فقد نجح ناجى العلى في إضافة قيمة إنسانية تؤكد العلاقة بين الفنان الثوري وشعبه، فلم يكن مجرد رسام، بل فنان مرتبط بوطنه وقضيته. أضاف عندما نذكر اسم ناجى العلى نتذكر وطن كامل، وطن يعانى تحت وطأة الاحتلال الغاصب، نتذكر ناجى ورفاقه الذين قاوموا هذا المحتل بالفن والورقة والقلم مثل الشهيد غسان كنفاني ودرويش وآخرون، هؤلاء العظماء الذين يمثلوا قيمة مزدوجة بفنهم لأوطانهم . أعرب الخميسي: "العلى نجح أن يصنع بشخصية "حنظله " في التاريخ والأدب والفن العالمي بصمة فنية لا يقدر عليها سوى عدد قليل من الفنانين، وهى تحويل شخصية فنية إلى رمز إنساني عام، فمثلا شكسبير نجح في تحويل روميو وجوليت رمزا "للحب"، نجح العلى في تحويل "حنظله" الطفل الفلسطيني في العاشرة من عمره الذي أدار ظهره للعالم إلى رمز عالمي لكل أطفال فلسطين والعرب عموما حتى اليوم نستلهمه للتعبير عن أطفال سوريا والعراق واليمن ، هؤلاء المكلومين المحرومين من أوطانهم . أكد الخميسي أن العلى تجاوز كل الرسامين العرب ، بقدرته على التعبير عن الواقع العربي والسياسي بكل احباطاته وآلامه وتخاذل حكامه بطريقة فنية عالية الطراز من الإبداع ، معربا أن حنظله أدار ظهره أيضا من خنوع الأنظمة العربية التي مازالت تبيع القضية حتى الآن . " كان شخص رقيق جدا ، حزنه دفين جدا ،يعيش موضوعه ، مهموم بقضيته ووطنه ، لم يكن الرسم مجرد عمل يقوم به ولكن كانت وسيلة مقاومة لتحرير وطن من مغتصب " هكذا يبدأ الشاعر زين العابدين فؤاد الحكاية عن الصديق ناجى العلى . يضيف " حنظله هو ناجى العلى ، هو المواطن الفلسطيني بكل حالاته ؛القوى ، الحكيم ، الغلبان ، المشاهد ، المتفرج ، الغاضب، هو حالات كثيرة في جسد واحد " . قال العابدين إن رغم سنوات الغياب إلا أنها جسد رحل ولكن تبقى رسومات وفن ناجى العلى تسكن في جسد امة كاملة ، وفى عقل وضمير كل مواطن عربي . يتذكر زين العابدين فؤاد لقاء جمعه بالشهيد في مخيم عين الحلوة بلبنان ،عام 1981 ، عندما كان يلقى قصيدة في أمسية فنية، وكان حاضرا آنذاك العلى، الذي ألقى كلمة بعد انتهاء العابدين قائلا" أحفظ أشعار زين منذ أن كنت طفلا يرتدى بنطلون قصيرا، وفوجئ وقتها زين بقوة ذاكرته لأن القصيدة التي تذكرها العلى كانت منشورة منذ عام 1952 !! يحكى العابدين عن جراءة وشجاعة ناجى العلى بعد اجتياح الجيش الصهيوني جنوبلبنان في 5 يونيو 1982 ،حيث كان يعيش العلى في مخيم عين الحلوة بصيدا،التي شهدت مذابح كبيرة واسر للأطفال على أيدي العدو ، وكانت المفارقة أن نجى "العلى "من الاعتقال على أيدي الصهاينة نظرا لملامحه العجوزة وشعره الأبيض رغم صغر سنه ، ونجح في الإفلات منهم لبيروت العاصمة. أشار زين أن قبل وصول العلى بيروت وصلت رسوماته الكاريكاتيرية – التي حصلت البديل على نسخة منها – عن طريق صديقة لبنانية من صيدا نجحت في المرور من الصهاينة بالرسوم والوصول لبيروت ،وتم نشر الرسومات في جريدة السفير آنذاك. استكمل كان يوم وصول ناجى إلى بيروت خاص جدا ، كان شجاعا وصل لمدينة محاصرة وتحت القصف ،وكان بعض الكتاب والمثقفين يهجروها نظرا لظروف الحرب ،وشجع ذلك غيره من الكتاب لاقتحام حصار بيروت ومنهم عودة الشاعر الكبير معين بسيسو ،والكاتب المصري عبد الله الطوخي أول كاتب مصري يقتحم الحصار. وبسؤاله عن تقرير نشرته اليوم سكاي نيوز حول إعلان السلطات البريطانية بقدرها لكشف معلومات جديدة عن اغتياله ، يرد زين العابدين فؤاد :" لا مانع من معلومات حقيقية وليست مسيسة عن اغتياله ،نسعى جميعا لمعرفة ذلك ، ولكن اخشي من تسيس المعلومات لصالح الكيان الصهيوني ، خاصة أن هناك اتجاه لتبرئة إسرائيل من اغتياله " ؟! ومن جانبه يقول رفيق الطويل فنان فلسطيني ومؤسس فرقة الفالوجة بمصر في تصريحات خاصة ل" البديل " إن ناجى العلى خلق برسوماته داخل كل مواطن عربي وطن وهو فلسطين ،علمنا أن الدفاع عن القضية هو أهم من كل شيء ،أهم من الأيدلوجيات والمصالح الشخصية بل أهم من الحياة نفسها . أضاف أن العلى رغم التحذيرات بأنه مستهدف وعليه ألا يسافر لندن ، إلا انه كان لا يخشى شيء من اجل الدفاع عن وطنه وتحرره ،واستشهد في النهاية من اجل هذا الوطن . يرى الطويل أن شخصية "حنظله "الكاريكاتيرية هي رمز حاضر ومستمر رغم غياب العلى ،تعبر عن كل طفل عربي مقهور ومهدد في كل مكان وليس فلسطين فقط ، مؤكدا أن مازال مكان ناجى العلى شاغرا لم يستطع أن يملئه رغم كل هذه السنوات ،لأنه كان فنان صادق ومخلص لقضيته . " مازال العلى لم ينل التكريم اللائق به حتى الآن ، حتى الفيلم الوحيد الذي تحدث عن مسيرته الفنية والوطنية الذي جسده نور الشريف تعرض آنذاك لمشكلات كبيرة في العرض ، ويغيب عن الشاشات أيضا إلى الآن رغم أهميته ورسالته " هكذا عبر رفيق الطويل عن حزنه من التجاهل وعدم التكريم لناجى العلى . طالب بضرورة إنتاج أعمال درامية وسينمائية كثيرة توثق النماذج الوطنية ليس العلى بل كل مواطن عربي دافع عن القضية ورفض العدو الغاصب ،وكان الفن سلاحه في مقاومة الصهاينة .