حالة من الحراك المحلي والإقليمي والدولي تشهدها إدلب السورية وهي المنطقة التي يختلط فيها حابل المعارضات السورية بنابلها، فهي تضم جميع التنظيمات والفصائل المسلحة، فمن أعتى التنظيمات الإرهابية كجبهة النصرة إلى فصائل تسمي نفسها بالمعتدلة بما في ذلك فصائل من الجيش الحر، فكل مسلحي سوريا المنهزمين في مناطق حلب وحمص وغيرها وحتى من جردود لبنان جُمِّعوا في هذه المحافظة، وهو ما اعتبره مراقبون بأن إدلب قد تشكل محرقة لكل التنظيمات المسلحة في حال أي تصعيد عسكري فيها. وتمثل الحراك الدولي في تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، حيث قال إنه يأمل في إقامة منطقة خفض توتر في ريف إدلب، وعلى المستوى المحلي فقد رفضت فصائل سورية معارضة دعوة أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام "النصرة سابقًا" لمناقشة إدارة مدينة في محافظة إدلب، وإقليميًا فقد وجهت لإدلب مبادرات تركية وتتجهها نحوها خطط عسكرية بتوافق إيراني مع الجيش العربي السوري. وبالعودة لروسيا فكلام لافروف يفضي إلى أمله في أن يتم قريبًا إتمام الاتفاقات الخاصة بإنشاء منطقة خفض تصعيد رابعة في سوريا، وهذه المرة ستكون في إدلب، ومحافظة إدلب تحوي عددًا كبيرًا من الفصائل والجماعات الإسلاموية التي تقاتل الجيش العربي السوري وحلفاؤه، ومؤخرًا بدأت تتقاتل مع بعضها البعض، وهو أمر يسبب قلقًا للجارة التركية التي تسعى إلى تجنب أي قتال في إدلب خشية نزوح عشرات أو مئات الآلاف من السكان السوريين إليها، إحدى الصحف المقربة من دوائر صنع القرار في تركيا قالت "إن أنقرة تسعى لتشكيل هيئة إدارة محلية لإدارة إدلب، وإرسال قوة مدنية من عناصر الجيش الحر لضبط الأمن في المدنية وتحويل بعض العناصر المسلحة في المعارضة السورية إلى جهاز شرطة رسمي، بشرط أن تحل هيئة تحرير الشام نفسها بالكامل". ولكن لا يبدو الجولاني في أفضل أحواله، فبالأمس خرجت مظاهرة غاضبة في بلدة حاس قرب إدلب تهدف ضد زعيم جبهة النصرة، تطالبه بسحب مسلحيه من المدينة بعد مقتل أحد أبنائها على يد مسلحيه. الرئيس التركي، رجب طيب أردوغن، هو الأخر ليس في أحسن أحواله، فهو يرى كل يوم تزايدًا للنفوذ الكردي على حدوده الجنوبية، كما أن واشنطن ماضية في طريها وبلا رجعة تقريبًا في نهجها الداعم للأكراد، وليس هذا وحسب حيث نقل التقرير عن مصدر مسؤول في حركة "أحرار الشام"، قوله إن الموقف التركي حاليًا هو أشد غموضاً من قبل، موضحاً أن تركيا تتعرض حالياً لاتهامات من قبل الولاياتالمتحدة وغيرها بأنها هي من مكّنت "القاعدة" للسيطرة على محافظة إدلب. هيئة تحرير الشام التي تصنف دوليًا في تنظيم إرهابي مرتبط بالقاعدة، تحكم قبضتها على إدلب منذ أكثر من شهر بعد معارك دامية مع أحرار الشام المدعومة تركيًا، وتواجه الآن خيارات صعبة، فالأتراك أغلقوا من جهتهم معبر باب الهوى الذي يصلهم بإدلب مكتفين بإرسال معونات إنسانية مع التلويح بإمكانية القيام بعمل عسكري، حيث قال رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، "الأوضاع تغلي من حولنا ولأننا نجاور سوريا فهذا الأمر يمثل تهديدًا لنا، نحن على استعداد للقيام بالرد المناسب في الوقت المناسب في الداخل وفي الخارج لأي تهديد يستهدف أمن حدودنا"، وبالتالي على زعيم النصرة القبول بالمبادرة التركية والمتمثلة بتشكيل إدارة محلية في إدلب، ولكن هذا الأمر رفضه الجولاني جملةً وتفصيلًا، وقام بتوجيه دعوات لشخصيات في المعارضة السورية لتحاور معها بشأن إدلب، ويبدو أن هذه الدعوات ارتطمت بحائط مسدود فلم تلقى القبول اللازم من أطراف في المعارضة السورية، حيث رفض أسامة ابو زيد الذي مثّل في السابق المعارضة السورية في جلسات التفاوض في أستانا والمستشار القانوني للجيش الحر رفض من جهته دعوةً وجهها له الجولاني، كما رفض حسن دغيم رئيس هيئة دعاة الثورة في شمال سوريا والمقرب من المخابرات التركية وعدد من العاملين ضمن الائتلاف دعوة مماثلة،وهو الأمر الذي من شأنه تعقيد المشهد في إدلب، خاصة أن المعارضة ومن خلفها أنقرة ترفض أي تدخل أمريكي روسي أو إيراني في إدلب من شأنه أن يحولها إلى موصل جديدة وفقًا لمخاوفهم، أو يفتح باب واسعًا لاحتمال سيطرة الحكومة السورية أو الأكراد، الأمر الذي من شأنه أن يشعل فتيل مواجهات أخرى ويزيد من الأمور تعقيدًا في إدلب إلى تطورات تصل حد العسكرة، خاصة أن التغيرات الأقليمية والدولية قد لا تأتي بما تشتهيه السفن التركية، حيث يرى خبراء متابعونإن التحركات الدولية والاتفاقات السابقة التي رعتها كل من روسيا وإيران، تشير إلى أن مخطط ضرب "النصرة" في إدلب، يقوم على تجميع كل عناصر الجبهة والفصائل المؤيدة لفكر تنظيم "القاعدة" في محافظة إدلب، ومن ثم القيام بعملية عسكرية للقضاء عليه وعلى الفصائل التي تواليه، من التشكيلات العسكرية الأخرى. من ناحية أخرى أشارت صحيفة شفق التركيةإلى العملية العسكرية التي يحضر لها كل من الولاياتالمتحدةوروسيا وبريطانيا وفرنسا لقتال بقايا تنظيم القاعدة وجبهة النصرة المنضوين تحت راية هيئة تحرير الشام في محافظة إدلب، وهو الأمر الذي سيربك حسابات أنقرة ويجبرها على حسم خياراتها سريعًا حول إدلب إما بالاصطفاف في المحور الأمريكي الذي يزيد من قوة الأكراد، أو الاقتراب من روسيا الداعمة للنظام السوري.