مع اقتراب البت في رفع العقوبات الأمريكية على السوادن، يبدو أن حكومة الأخيرة مستعدة لتقديم كل التنازلات في سبيل تحقيق التقارب مع واشنطن، فرغم أن السلطات السودانية قالت في شهر يوليو الماضي، إنها استجابت لكل المطالب الأمريكية لرفع العقوبات التي فرضت على بلادها، إلا أن أمريكا لم ترفع العقوبات عن السودان بصورة نهائية، في انتظار تقديم التنازل الكبير بما يخص القضية الفلسطينية، والاعتراف ولو تدريجيًا بالكيان الصهيوني ودولته، ويبدو أن السودان بدأ يسير في الاتجاه المرجو لواشنطن. أمس، دعا زعيم حزب الأمة وزير الاستثمارات السوداني، مبارك فاضل المهدي، في حديث إلى قناة «سودانية 24» إنه "ليس هناك مانع من تطبيع العلاقات مع إسرائيل"، مشيرًا إلى أن الأمر يمكن أن يفيد المصالح السودانية، ورأى أن القضية الفلسطينية "أخّرت العالم العربي، وهناك أنظمة استغلتها ذريعة وتاجرت بها"، واتهم الوزير الفلسطينيين ب"الكيد للسودانيين". وقال الوزير إن الفلسطينيين طبعوا العلاقات مع إسرائيل، بل حتى حركة حماس تتحدث مع إسرائيل على حد تعبيره، والفلسطينيون يتلقون أموال الضرائب من إسرائيل ويجلسون ويتحدثون مع الإسرائيليين ولديهم خلافات، لكنهم يجلسون معًا. من جانبها، أعربت حركة حماس عن بالغ أسفها واستهجانها من تصريحات وزير الاستثمار السوداني، التي وصفتها بالتحريضية والعنصرية، ودعت الشعب السوداني إلى نبذ هذه التصريحات والتي اعتبرتها غريبة عن قيمه ومبادئه التي لاطالما دعمت القضية الفلسطينية. وفي سياق التجاذب السوداني الحمساوي، أشارت تقارير إلى رفض الحكومة السودانية طلب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السابق، خالد مشعل، الإقامة الدائمة في الخرطوم. من جهتها استقبلت الأوساط الإسرائيلية دعوة الوزير السوداني بالترحاب كونها استثنائية في دولة لا تعترف بالدولة اليهودية ولا تقيم معها علاقات دبلوماسية. ودعا وزير الاتصالات الإسرائيلي، أيوب قرا، الوزير السوداني إلى زيارة إسرائيل، وقال في تغريدة على "تويتر": "تسرني استضافته في إسرائيل لدفع عملية سياسية قدماً في منطقتنا". وتساءل التليفزيون الإسرائيلي عما إذا كانت تلك «بداية لبناء علاقات وثيقة أو سعي نحو إقرار سلام إسرائيلي– سوداني أم أنها مجرد تصريحات من مسؤول رفيع تعبر عن زلة لسان؟. ويبدو أن الحكومة السودانية توافق ضمنيًا على كلام الوزير السوداني فلا ردود أفعال قوية ضد تصريحات الفاضل والتي من المفترض أن تصل إلى حد الإقالة، واقتصرت على تصريحات مثل التي تقول إن الخيانة وجهة نظر، حيث قال وزير الإعلام السوداني، أحمد بلال، إن موقف الوزير "رأي شخصي يخصه وحده ولا يعبر عن الموقف الرسمي للحكومة أو البلاد". في المقابل، قال رئيس هيئة علماء السودان، محمد عثمان صالح إن «الهيئة بكامل عضويتها أكدت بطلان دعوة مبارك الفاضل التي تتعارض مع ثوابت مؤتمر الخرطوم عام 1967 الذي خرج باللاءات الشهيرة: «لا تفاوض، لا صلح، لا اعتراف». وليست هذه المحاولة الأولى للأعضاء من الحكومة السودانية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، حيث فتح وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، الباب على مصراعيه فيما يخص إمكانية تطبيع السودان مع الكيان الصهيوني، ما يشكل تراجعاً واضحاً عن المبادئ التي تبنتها الحكومة السودانية في مواقفها المعادية للكيان الصهيوني الذي كان مجرد الكلام عنه بإيجابية يُعد جريمة، حيث قال غندور في 14 يناير من العام الماضي إن بلاده لا تمانع في دارسة إمكانية التطبيع مع إسرائيل، وأن الصلات مع الولاياتالمتحدةالأمريكية ظلت متأرجحة على مر الحكومات. الجدير بالذكر أنه في 2008 سرب موقع «ويكيليكس» برقية للسفارة الأمريكية، نقلت حوارًا بين مساعد الرئيس السوداني آنذاك، مصطفى عثمان إسماعيل، ومسؤول شؤون إفريقيا في الخارجية الأمريكية، ألبرتو فرنانديز، طلب فيها المسؤول السوداني مساعدة واشنطن لتسهل التطبيع مع إسرائيل في حال اكتمال التطبيع مع أمريكا نفسها. ولا يرى مراقبون غرابة في تحركات السودان الأخيرة باتجاه الكيان الصهيوني، خاصة بعد خروجها من محور المقاومة وانتقالها للمحور السعودي، بعدما كانت للسودان علاقات وثيقة مع إيران منذ فترة طويلة، حيث أصبحت البلد بمثابة مستودعا لتهريب الأسلحة إلى قطاع غزة، ومع ذلك، في السنوات القليلة الماضية، أصبح البلد أقرب إلى المعسكر السعودي، وفي أوائل يناير 2016 قطعت السودان العلاقات مع إيران، بذريعة الهجوم الذي وقع على السفارة السعودية في طهران. الانتقال السوداني من المحور المقاوم إلى الكنف السعودي قابله ترحيب أمريكي، ففي 13 يناير من العام الجاري، أعلن البيت الأبيض رفعا جزئيا لبعض العقوبات الاقتصادية المفروضة على الخرطوم، وقال حينها إن ذلك نتيجة للتقدم الذي أحرزته الخرطوم، لكن الإدارة الأمريكية أبقت السودان على لائحة الدول الداعمة للإرهاب.