اضطراب سياسي جديد ومفاجئ داخل الحكومة الجزائرية، فبعد 79 يومًا على تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة "عبد المجيد تبون" عادت من جديد الصراعات بين المال والسياسة لتلقي بظلالها على رئيس الوزراء الجديد وتتسبب في إقالته، لتكون حكومة "تبون" هي الأقصر في تاريخ الجزائر، ويبدو أن "تبون" قد دفع ثمن محاولاته فصل السياسة عن المال. إقالة مفاجِئة أعلنت الرئاسة الجزائرية في بيان نقلته وسائل الإعلام الرسمية، أمس الثلاثاء، إقالة رئيس الوزراء، عبد المجيد تبون، من منصبه بعد ثلاثة أشهر من تعيينه، حيث كان قد تم تعيينه في 24 مايو الماضي، خلفًا ل"عبد المالك سلال" في أعقاب الانتخابات التشريعية التي أقيمت في الرابع من الشهر نفسه، والتي فاز بها حزب "جبهة التحرير الوطني" برئاسة بوتفليقة، وأفاد البيان أن رئيس الجمهورية "عبد العزيز بوتفليقة" أنهى مهام رئيس الوزراء وعين "أحمد أويحيى" مكانه، وحسب البيان، فإن إقالة رئيس الوزراء جاءت طبقًا لنفس الأحكام الدستورية، مشيرًا إلى أن رئيس الجمهورية عين "أويحيى" بعد استشارة الأغلبية البرلمانية رئيس الجمهورية، وهو ما رد عليه "تبون" قائلًا: وفائي للرئيس عبد العزيز بوتفليقة سيظل كاملاً". صراع السياسة والمال على الرغم من أن أسباب الإقالة لا تزال خفية، إلا أن جميع المؤشرات توحي بأن "تبون" الذي كان مرتبطًا بقطاع السكن، أهم قطاع بالنسبة للجزائريين، حيث شغل منصب وزير الإسكان لأكثر من سبع سنوات في حكومات مختلفة، ودخل في صراعات مع مراكز القوى في الجزائر القريبة من الرئاسة معتمدًا في ذلك على قوة حزب جبهة التحرير الوطني الذي ينتمي إليه وشرعيته، حيث اشتهر "تبون" ببرنامجه الهادف إلى الفصل بين المال والسياسة، حيث قال مرارًا إن "الدولة هي الدولة والمال هو المال"، وهو ما يخالف الأجواء في الجزائر التي تجمع مصالح رجال السياسة برجال الأعمال، الأمر الذي أرجع إليه بعض المراقبين سبب الإقالة، وهو العمل ضد مصالح رجال أعمال الذين يمسكون ببعض خيوط الدولة. في ذات الشأن أكدت مصادر حكومية جزائرية أن "رؤية رئيس الوزراء لم تكن متوافقة مع رؤية الرئيس بوتفليقة"، وأشارت إلى أن مشاكل في التواصل بين الرجلين أدت إلى إقالة "تبون"، فيما أوضحت مصادر قريبة من الرئاسة أن رئيس الوزراء المُقال حاول المساس بمصالح بعض المنتمين إلى الطبقة "الأوليجارشية" المحيطة بالرئيس، الأمر الذي عجل بإقالته. إقالة "تبون" تأتي بعد أسابيع قليلة من اتخاذه قرارًا بالحد من استيراد العديد من المنتجات، وهي التدابير التي أغضبت العديد من رجال الأعمال الذين يحظى بعضهم بصلات مع السلطة، ففي مطلع يوليو الماضي، أصدرت الحكومة سلسلة إشعارات رسمية لعدد من الشركات الجزائرية والأجنبية الكبرى التي تعمل في البنى التحتية العامة المهمة، معتبرة أن مشاريعها متأخرة، وهددت بإنهاء عقودها، وبين هذه الشركات مؤسسة إشغال الطرق الهيدروليكية والمباني التي يملكها رئيس منتدى أرباب العمل في الجزائر، علي حداد، الصديق المقرب من "سعيد بوتفليقة" الذي يحظى بنفوذ واسع؛ كونه شقيق الرئيس. وفي منتصف يوليو، وجه "تبون" علنًا إهانة ل"حداد" طالبًا مغادرته حفلًا كان من بين ضيوفه، وقد اهتمت وسائل الإعلام الجزائرية بهذه الواقعة، وأفردت لها صفحات وعناوين ثقيلة، كما قاد "تبون" حملة ضد رجال الأعمال الذين تتعلق بهم تهم فساد وإهدار للمال العام، خاصة بعد استغناء تبون عن خدمات مدير ديوان مصالح رئيس الوزراء، مصطفى رحيال، الذي سبق أن عيّن في حكومة "سلال" السابقة بإيعاز من رجل الأعمال "حداد"، الأمر الذي دفع "بوتفليقة" إلى محاولة التدخل لحل الأزمة، لكنه اختار أن يقف إلى جانب "حداد" على حساب "تبون"، حيث وجه الرئيس الجزائري خطابًا شديد اللهجة إلى رئيس الوزراء، دعاه خلاله إلى تغيير سياساته ووقف حملة "التحرش" بالمتعاملين الاقتصاديين، لأنها رسمت صورة سيئة لدى المراقبين الأجانب لمناخ الاستثمار في البلاد بسبب التسويق الإعلامي المبالغ فيه، وفق تصريحات "بوتفليقة"، لكن يبدو أن هذا لم يحدث، الأمر الذي دفع الرئيس إلى إزاحته من الحكومة سريًعا، وتكليف أويحيى. من هو "أويحيى"؟ أحمد أويحيي سياسي مخضرم عمل في الكثير من المناصب القيادية على مدار أكثر من عشرين عامًا، حيث شغل "أويحيى" منصب رئيس الوزراء ثلاث مرات بين عامي 1995 و1998 إبان رئاسة "الأمين زروال"، ثم بين عامي 2003 و2006، والفترة من 2008 إلى 2012، ويتزعم حاليًّا حزب "التجمع الوطني الديمقراطي"، ثاني أكبر حزب في الجزائر وحليف جبهة التحرير الوطني برئاسة "بوتفليقة". يرى المراقبون أن اختيار بوتفليقة ل"اويحيى" الصديق الوفي والمقرب من بوتفليقة، يهدف إلى دعم الاستقرار، خاصة في الوقت الذي تعاني فيه الجزائر من اضطرابات اقتصادية بسبب انخفاض أسعار البترول، مما أثر سلبًا على الدخل القومي للبلاد، حيث قاد "أويحيي" إصلاحات التقشف التي طالب بها صندوق النقد الدولي إبان تسعينيات القرن الماضي خلال الحرب الأهلية، الأمر الذي يعني أنه قادر على إدارة الحكومة وإخراجها من كبوتها الاقتصادية.