بعد أيام قليلة من انتهاء مؤتمر رابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان"، والذي سعت خلاله الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى حشد التأييد الأسيوي للعقوبات على كوريا الشمالية وتضييق الخناق عليها، تصاعدت حدة الحديث والملاسنات بين كوريا الشماليةوأمريكا، حتى وصلت إلى تهديد مباشر وجدي بقصف مواقع محددة في أمريكا، الأمر الذي رأى فيه بعض المراقبين تصعيدا خطيرا من الولاياتالمتحدة التي تتبع سياسة متعنتة مع بيونج يانج تسعى خلالها إلى حشد تأييد الدول لمُحاصرة بيونج يانج اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا. وجه مؤتمر "آسيان" في بيانه الختامي دعوة إلى كوريا الشمالية لوضع نهاية "للطريق المسدود الخطير للغاية"، فيما يتعلق ببرنامج أسلحتها النووية والباليستية، وحاولت الرابطة التي تضم 10 أعضاء، هم بروناي وإندونيسيا وماليزيا والفلبين وتايلاند وسنغافورة وفيتنام ولاوس وكمبوديا وميانمار، وتم تأسيسها في أغسطس عام 1967، القيام بدور الوسيط وصانع السلام بين الأطراف المعنية في النزاع في شبه الجزيرة الكورية، لكن بقيت الأوضاع دون وجود أفق لحل سياسي أو انفراجه للأزمة، خاصة بعد أن رفضت بيونج يانج تهديدات الولاياتالمتحدةوكوريا الجنوبية واليابان، أثناء المنتدى الإقليمي لرابطة آسيان في العاصمة الفنزويلية "مانيلا"، محذرة من "تلقين واشنطن درسًا قاسيًا بقوتها النووية الاستراتيجية إذا ما اتخذت إجراءً عسكريًا ضدها". هذه الأنباء أكدها وزير الخارجية الفلبيني آلان بيتر كايتانو، قائلًا "ليس هناك انفراجة حتى الآن"، وأضاف: إننا جميعًا نريد السلام، ولكن إذا لم تفتح كوريا الشمالية الباب لتعطينا الضوء في نهاية النفق، أو لأي خيار آخر، فماذا يمكننا أن نفعل؟، وأضاف: إنه طريق مسدود خطير للغاية، نأمل ونصلي جميعًا حتى تكون هناك إمكانية لحله قريبًا. في المقابل، قال وزير الخارجية الكوري الشمالي ري يونج هو: لن نضع تحت أي ظرف من الظروف الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية على طاولة تفاوض، وأضاف "لن نحيد ولو قيد أنملة عن طريق تعزيز قواتنا النووية التي اخترناها بأنفسنا إلا إذا تم القضاء بشكل أساسي على السياسة العدائية الأمريكية وتهديدها النووي لكوريا الشمالية"، واتهم ري، واشنطن بأنها تخلق ظروفًا تجد فيها كوريا الشمالية نفسها مضطرة للدفاع عن نفسها، وأضاف: بسبب طغيان الولاياتالمتحدة، يتجه الوضع في شبه الجزيرة الكورية إلى الحد الأقصى، مع استمرار متزايد لخطر اندلاع صراع. حضور وزير الخارجية الأمريكي ريكس تليرسون، مؤتمر أسيان واجتماعه مع العديد من الزعماء الأسيويين على هامش المؤتمر يأتي في إطار محاولات واشنطن تشديد الضغوط الدبلوماسية على بيونج يانج من خلال حشد التأييد الدولي وخاصة الآسيوي لخطط الإدارة الأمريكية، ورص صفوف حلفائها ضد كوريا الشمالية، وقالت المسؤولة الرفيعة في وزارة الخارجية الأمريكية سوزان ثورنتون، قبل اجتماع مجلس الأمن الأخير: "ما نأمله من اجتماع هذه السنة هو تنديد بصوت واحد بالسلوك الاستفزازي لكوريا الشمالية"، وبالفعل نجحت واشنطن في حشد الأصوات لتطبيق عقوبات قاسية على كوريا الشمالية في مجلس الأمن الدولي قبل أيام، من شأنها تقليص إجمالي صادرات كوريا الشمالية من الفحم والحديد والرصاص والمأكولات البحرية، من 3 مليارات إلى مليار دولار سنويًا، وحظر منح الدول الأعضاء في الأممالمتحدة تصاريح عمل جديدة لمواطني كوريا الشمالية، بهدف الحدّ من دخول العملات الصعبة إليها. محاولات الإدارة الأمريكية تضييق الخناق على كوريا الشمالية اتضحت أيضًا في تغريدات الرئيس دونالد ترامب، على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، حيث قال عقب إقرار مجلس الأمن للعقوبات: "بعد سنوات من الفشل تتوحد الدول أخيرًا للتصدي للخطر الذي تمثله كوريا الشمالية، مضيفًا: "علينا التحلّي بالصرامة والحزم"، كما أكدت أوساط سياسية أن زيارة السفير الأمريكي جوزيف ين، إلى ميانمار في يوليو الماضي، هدفت إلى تخريب العلاقات الاستراتيجية التي تربط ميانمار بكوريا الشمالية، حيث تُعد الأولى شريكًا عسكريًا قديمًا لبيونج يانج. في ذات الإطار، حاول وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، أثناء زيارته إلى تايلاند، أمس الثلاثاء، إقناع بانكوك بالحد من علاقاتها التجارية مع كوريا الشمالية، حيث تبقى تايلاند إحدى دول جنوب شرق آسيا التي تحتفظ بعلاقات دبلوماسية وتجارية وطيدة مع كوريا الشمالية، إذ بلغت قيمة التبادل التجاري بين الدولتين 126 مليون دولار، حسب وزارة الخارجية التايلاندية، مما يتجاوز ثلاثة أضعاف معدلات عام 2009، وهو ما دفع واشنطن إلى التوجه إليها في زيارة هي الأولى منذ عام 2014، حيث أكدت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي، سوزان ثورنتون، أن الولاياتالمتحدة طالبت تايلاند على لسان رئيس دبلوماسيتها بإيقاف عمل الشركة الكورية الشمالية في بانكوك. وقد سبق أن مارست واشنطن ضغوطًا أيضًا على كوريا الجنوبية خاصة بعد تسلم الرئيس مون جاي إن، الحكم في مايو الماضي، وهو الرئيس الذي أظهر مرونة في التعامل مع جارته الشمالية دفعت واشنطن إلى الشعور بالقلق من فقدان أحد الحلفاء ضد بيونج يانج، خاصة مع ميول جاي إن، إلى لغة الحوار والتفاهمات والمفاوضات، عكس ميول ترامب، إلى لغة التهديدات والعقوبات، وهو ما ظهر مرارًا في تصريحات الرئيس الكوري الجنوبي، وقال مون جاي إن، عقب أدائه اليمين الدستورية، إنه مستعد لزيارة كوريا الشمالية، وأضاف "إذا احتاج الأمر، فسأتوجه إلى واشنطن، وسأتوجه إلى بكين وطوكيو أيضًا، وحتى إلى بيوينج يانج إذا توافرت الظروف". تصعيدات وتهديدات جديدة عقب انتهاء المؤتمر انطلقت التهديدات المتبادلة بين الطرفين الكوري الشمالي والأمريكي، ورد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على تحذيرات بيونج يانج بتلقين واشنطن درسًا قاسيًا، قائلًا إنه جاهز للتعامل بحزم صارم في حال واجهت بلاده تهديدًا من جانب كوريا الشمالية، وأضاف ترامب: ينبغي على كوريا الشمالية ألا تهدد الولاياتالمتحدة مرة أخرى، خلافًا لذلك، ستصطدم بنيران وغضب لم يرهما العالم على الإطلاق. الرد الكوري جاء سريعًا أيضًا على تصريحات ترامب، حيث قالت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية الرسمية إن بيونج يانج تبحث ب"جدية" في خطة لتوجيه ضربة صاروخية على منشآت عسكرية في جزيرة غوام الأمريكية في المحيط الهادئ، وأشارت إلى أن خبراء القيادة الاستراتيجية للجيش الشعبي الكوري يبحثون حاليًا بجدية الخطة التنفيذية لقصف المناطق حول غوام بصواريخ باليستية استراتيجية متوسطة إلى طويلة المدى من طراز هواسونغ-12، الأمر الذي أثار الذعر في الجزيرة، وقالت عضو الكونجرس عن جزيرة "غوام"، مادلين زد بوردالو، إنها واثقة من قدرة القوات الأمريكية على حماية الجزيرة من التهديدات النووية المزعجة للغاية من كوريا الشمالية، ودعت بوردالو، الرئيس الأمريكي لإظهار زعامة راسخة والعمل مع المجتمع الدولي لنزع فتيل التوتر ومنع كوريا الشمالية من تطوير برنامج أسلحتها.