شهدت محافظة الإسكندرية حالة من السخط والاستياء من مواطنى الإسكندرية والمهتمين بالآثار، خاصة بعد التهديد والوعيد من مجلس الوزراء والقائمين على وزارة التنمية المحلية، وذلك بسبب البناء على أرض مجاورة لطاحونة المندرة الأثرية، مما اعتبره السكندريون طمسًا وإخفاء للطاحونة، واعتبرته الحكومة شائعات وبلبلة، يستحق من قام بترويجها عقوبة الحبس. بدأت الأزمة عندما فوجئ أحد سكان منطقة المندرة بأعمال حفر وبناء أعمدة خرسانية بجوار طاحونة المندرة الأثرية، التى شيدت عام 1807، وعلى الفور قام بالتقاط صور لأعمال البناء من شرفة منزله، وأرفقها عبر موقع التواصل الاجتماعي، وسرعان ما ثار المهتمون بالآثار بالإسكندرية من تلك الصور، وأرسل العديد من السكندريين شكاوى لوزير الآثار خالد عناني ومحافظ الإسكندرية، مطالبين بضرورة وقف هذا البناء والحفاظ على ما تبقى من مبانٍ أثرية بالإسكندرية. وتعاقبت الردود والتصريحات من مسؤولي الآثار ومجلس الوزراء، الذي نفى التعدي على أرض الطاحونة، وقال إن البناء يتم بأرض مجاورة للطاحونة، وإن من قام بترويج هذه الإشاعة تم تقديم بلاغ ضده إلى النائب العام. وأكد محمد متولي، مدير عام الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بالإسكندرية والساحل الشمالي، أن منطقة الطاحونة الأثرية آمنة، ولا يوجد عليها أي تعديات، وأن البناء الذي يتم تشييده حديثًا يقع خارج حدود وحرم المنطقة الأثرية. وأوضح متولي أن البناء الحديث يقع في الجزء المتبقي من قطعة الأرض رقم 26 من الجهة الجنوبية، وهي ملكية خاصة، وتبلغ مساحتها نحو 51 م، وأن مالكي الأرض حصلوا على تصريح من المحافظة بالبناء، وأن اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية كانت قد وافقت في جلستها بتاريخ 6/8/2012 على البناء، مع وضع بعض الضوابط والمعايير، بما يضمن سلامة منطقة الطاحونة وعدم تأثرها. ومن بين هذه الضوابط ألا يتجاوز ارتفاع البناء 9 أمتار؛ حتى لا تؤثر على بانوراما المنطقة، وأن يكون البناء على الطراز العربي المبسط، وألا يتم مد صرف صحي أو كهرباء أو مياه من ناحية الطاحونة، مع مراعاة عدم فتح أي شبابيك على الجزء المطل على حرم طاحونة المندرة الأثرية. وأضاف متولي أن الوزارة اتخذت كافة الإجراءات الاحترازية نحو الالتزام بالضوابط التي وضعتها اللجنة الدائمة، مشيرًا إلى أنه في حال عدم الالتزام بها، ستقوم وزارة الآثار بإزالة التعدي والمخالفات في الحال. وأشار متولى إلى أنه تم إدراج طاحونة المندرة وطاحونة المنتزه ضمن خطة التطوير، وسيتم افتتاحهما رسميًّا لزيارة الجمهور بعد التطوير في احتفالية كبرى. ومع إصدار المهندس شريف إسماعيل، رئيس الوزراء، بيانًا شديد اللهجة، نفى صحة تلك الأنباء، وأكد أن أرض طاحونة المندرة الأثرية مؤمنة تمامًا، ولم يتعدَّ عليها أحد، موضحًا أنه تم البناء على قطعة أرض مجاورة لها ملك لورثة إحدى السيدات منذ عام 1967، وأكد حرص الوزارة التام على الحفاظ على جميع الآثار المصرية والتراث الحضاري، الذي يمتد عبر آلاف السنين، وذلك بكافة ربوع الوطن؛ نظرًا لأهميتها وقيمتها التاريخية، وأن كل ما نشر حول هذا الشأن لا أساس له من الصحة, مشيرًا إلى أنه تم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية تجاه من قام بنشر تلك الأخبار المغلوطة, حيث تمت مخاطبة المستشار النائب العام لتحريك المسؤولية الجنائية تجاه هذا الفعل غير المسؤول. وفي الوقت ذاته اعترض عدد من مواطني الإسكندرية على بيان مجلس الوزراء، متسائلين: لماذا لم تأخذ وزارة الآثار تلك الأرض، وتعوض مالكها بالمال؟ كما اعترض الكثيرون على لهجة الوعيد بالحبس لمن يرى أي خطأ ويرصده أملاً في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من التعدي على ما تبقى من أماكن أثرية وتراثية، معتبرين أن ما يحدث من تهديد للمواطنين يمثل سياسة من تكميم الأفواه، ويساعد المخالفين والفاسدين على إكمال مخالفاتهم. وتساءل المهتمون بالآثار والمباني التراثية: لماذا تم إغلاق هذه الطاحونة لمدة ثماني سنوات؟ ولماذا لم ترمم حتى الآن رغم إعلان أنها مغلقة للترميم؟ يعود تاريخ بناء الطاحونة لعام 1807، حين أصدر محمد علي باشا والي مصر أوامره ببناء عدد من الطواحين؛ لتسهيل عملية طحن الغلال على الشعب المصري، والذي كان يعاني مشقة كبيرة، ويتكبد مصاريف باهظة في طحنها بطواحين الدواب، وصدر محمد علي باشا أوامره بأن تعمل الطواحين بطاقة الرياح؛ لتغطي احتياجات الجيش والشعب. طاحونة المندرة عبارة عن شكل أسطواني دائري، مكون من جزء دائري سفلي، يعلوه جزء دائري علوي على ارتفاع ثلاثة مداميك من الحجر الأبيض، وجسم الطاحونة دائري من الحجر الأبيض، ويوجد به عروق خشبية دائرية، وظيفتها تخفيف الحمل على مداميك الحجر وامتصاص أي هزات، ويعلوها المخروط المقبب، ويرتكز على جزء خشبي دائري، يتكئ على الطاحونة من أعلى، ومدخل الطاحونة عبارة عن شكل مستطيل، يتوجه عقد نصف دائري، ويتقدم المدخل سبع درجات من السلالم، ويفتح في بدن الطاحونة ثلاث نوافذ: نافذتان في الجهة البحرية ونافذة في الجهة الشرقية، بغرض الإنارة والتهوية. ويوجد داخل الطاحونة على اليسار سلم شبه دائري، من 37 درجة، ويقوم السلم على أكتاف بنائية ملتصقة بجسم الطاحونة. تم تسجيل الطاحونة كأثر عام 1967 بقرار رقم 113، وتبعد حوالى 300 متر عن سور حدائق المنتزه.