"لا فوضى في البيت الأبيض"، تصريح أطلقه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أمس الإثنين، لكنه سريعًا ما تحول إلى كذبة واضحة في ظل إدارة مُمزقة شهدت إخفاقات متوالية منيت بها منذ تشكيلها، استقالات وإقالات ومحاكمات وتورط في قضايا فساد، كلها أسباب أثرت على طريقة إدارة البيت الأبيض للأوضاع السياسية داخليًا وخارجيًا، فقد عجز ترامب منذ تنصيبه في يناير الماضي، عن تنسيق عمل إدارته وتوحيدها حول هدف واحد، فالأنباء التي تتوالي بشكل شبة يومي عن الاستقالات لأسباب مختلفه جعلت البيت الأبيض مُنهك وعاجز عن لملمة أوراقه وإحداث تأثير إيجابي في المجتمع الأمريكي. أعلنت وسائل الإعلام الأمريكية، أمس الإثنين، خبر استقالة وتشرذم جديد في الإدارة الأمريكية، حيث استقال المدير الجديد للإعلام في البيت الأبيض، أنطوني سكاراموتشي، والذي كان قد عينه الرئيس دونالد ترامب قبل 10 أيام فقط خلفًا ل"مايك دوبكي" الذي استقال أيضًا بعد مرور 3 أشهر فقط على توليه منصبه. وحول خبر الاستقالة كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" أن سكاراموتشي أُرغم على الاستقالة بناء على طلب كبير موظفي البيت الأبيض الجديد جون كيلي، بعد أن أثار عاصفة من الجدل الأسبوع الماضي عندما أهان رئيس الأركان السابق وكبير مستشاري البيت الأبيض السابق رينس بريبوس، وكبير الاستراتيجيين في البيت الأبيض ستيف بانون، خلال مقابلة مع صحيفة "نيويوركرريان ليتستسا"، تخللها تصريحات حادة بشأن زملاء "سكاراموتشي" في البيت الأبيض ولم تخلو من السباب، حيث وصف خبير المال النيويوركي الثري الملقب ب"موتش"، كبير موظفي البيت الأبيض رينس بريبوس، بأنه "ملعون يعاني انفصام الشخصية ومريض بالارتياب"، قبل أن ينتقل لمهاجمة المستشار الاستراتيجي لترامب ستيف بانون، الذي اتهمه بأنه "يخدم مصالحه الشخصية الخاصة فقط في البيت الأبيض". في إطار التغييرات السريعة في البيت الأبيض، فقد تولى كبير موظفي البيت الأبيض الجديد جون كيلي، مهامه رسميًا أمس الإثنين، بهدف تنظيم صفوف الإدارة الأمريكية التي أنهكتها الانقسامات والاستقالات المتوالية ومزقتها صراعات النفوذ الداخلية، وكيلي هو جنرال المارينز المتقاعد، وقد تولى وزارة الأمن الوطني في إدارة ترامب حتى تعيينه كبير موظفي البيت الأبيض، ليحل محله في وزارة الأمن إلاين دوك، مؤقتًا حتى تعيين وزير جديد، الأمر الذي يجعل كيلي أقرب معاوني الرئيس ترامب، وقال ترامب، أثناء تأدية كيلي القسم: لا شك لدي أن الجنرال كيلي سيقوم بعمل مذهل بصفته كبيرًا للموظفين، بعدما كسرت إنجازاته في مجال الأمن القومي جميع الأرقام القياسية، والنتائج المذهلة على الحدود. جاء تعيين كيلي بعد إقالة الرئيس الأمريكي لسلفه رينس بريبوس، الجمعه الماضية، عقب فقدان الرئيس الأمريكي الثقة في بريبوس بعد فشله في إقرار بنود تشريعية رئيسية في الكونجرس، كما تحدثت تقارير إعلامية عن خلافات حادة بين بريبوس ومدير الاتصالات الذي استقال أيضًا أمس الإثنين، أنطوني سكاراموتشي، الأمر الذي يعني أن سكاراموتشي، تسبب خلال أسبوع واحد في إقالة مسؤولين في البيت الأبيض، أولهما المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر، في 21 يوليو الماضي، ورينس بريبوس الجمعة الماضية، ليستقيل سكاراموتشي نفسه، أمس الإثنين، وينهي سلسلة من الإخفاقات داخل البيت الأبيض وضعت ترامب في موقف محرج. الانقسامات المتلاحقة والاستقالات السريعة كشفت عن خلافات حادة وغير مسبوقة على الصعيد الداخلي جعلت الإدارة الأمريكية عاجزة عن التوحد حول هدف معين سواء في الكونجرس أو أمام منتقديها، وهو ما ظهر في النكسة التي مني بها ترامب مؤخرًا في مجلس الشيوخ، بعدما فشل في إقرار مشروعه للرعاية الصحية الرامي إلى التخلص من برنامج سلفه أوباماكير، رغم هيمنة الجمهوريين على مجلسي الكونجرس النواب والشيوخ، لكن هذا القانون أظهر انقساما حادا داخل الحزب الجمهوري نفسه وذلك بعد تصويت 4 من النواب الجمهوريين ضد المشروع الترامبي، ليفشلوا بذلك الأغلبية التي توقع ترامب الحصول عليها لتمرير المشروع. المثير للدهشة أن إقالة الرئيس ترامب لعدد من كبار المسؤولين بينهم مستشاره للأمن القومي، ونائب مستشار الأمن القومي، ومدير مكتب التحقيقات الفدرالي، ومدير الإعلام، والمتحدث باسم البيت الأبيض، ووزير العدل بالوكالة، ونائب كبير موظفي البيت الأبيض، يأتي بعد أيام أو أسابيع قليلة من توليهم المسؤولية، الأمر الذي يجعل هذه التبديلات بوتيرتها السريعة ظاهرة جديدة وغير مسبوقة في الرئاسة الأمريكية على الرغم أنها لا تزال في بدايتها ولم تُكمل عامها الأول. في ذات الشأن، فقد علقت صحيفة "فايننشال تايمز" في افتتاحيتها، السبت الماضي، على الأزمة التي تمر بها إدارة دونالد ترامب، في ظل استقالة مدير طاقم البيت الأبيض رينس بريبوس، وتعيين وزير الأمن الداخلي جون كيلي مكانه، قائلة إن الإدارة في الطريق إلى تدمير نفسها، وأضافت الصحيفة أن "دونالد ترامب قدم في الشهور الستة منذ دخوله إلى البيت الأبيض الغضب والصخب وليس أكثر، وأي أمل بأنه سينضج في الحكم قد تبخر هذا الأسبوع، وهو أسبوع فوضوي ودمار ذاتي حتى بموجب المعايير الكئيبة لرئاسته"، وتشير الصحيفة إلى أن "ترامب، رجل العقارات، الذي يعد نفسه قائدًا للرجال، أثبت أنه غير قادر على استخدام السلطة بطريقة مسؤولة، فقام وبطريقة علنية، بإضعاف النائب العام وأكثر الداعمين له، وصدم وزارة الدفاع عندما حرم المثليين من الخدمة في الجيش الأمريكي، ووقف متفرجًا في الوقت الذي قام فيه مدير اتصالاته أنتوني سكاراموتشي بشن هجوم قذر ضد مسؤول موظفي البيت الأبيض بريبوس"، ووصفت الافتتاحية الإدارة الأمريكية بأنها "لا قبطان لها، وقائدها سكران في السلطة".