تحتفل مدينة طنطا الليلة بمولد الشيخة "صباح"، حيث توافد الآلاف من محبيها ومريديها وأعضاء كل الطرق الصوفية، على مدينة طنطا، احتفالًا بمولدها، الذي يقام سنويًّا في الأسبوع الأخير من هذا الشهر، وذلك لإقامة حلقات الذكر والأناشيد والمدائح، حيث يتبركون بها، ويلجؤون إليها عند الحاجة، ويستمعون إلى قصتها وكرامتها التي تروى وتحكى على مر السنين. وبهذه المناسبة قام خليفة المقام بتغيير كسوة المقام برداء ناصع البياض، مطرز بالفضة، من كل الجوانب، وألبسه تاجًا كبيرًا مطرزًا بالفضة، إذ يتم تغيير كسوته كل عام، قبل الليلة الختامية لمولدها. الشيخ "الصادق المندوة" خادم المسجد روى لنا السيرة الذاتية للشيخة قائلاً إنها بدر الصباح بنت محمد بن علي بن محمد الغباري. ولدت عام 1248 هجرية 1832 ميلادية، وتربت في جو صوفي، حتى فتح الله عليها، ونوَّر قلبها، وذاع صيتها، وعاشت عذراء لنحو ثمانين عامًا قضتها في أعمال البر ومساعدة المحتاجين ومعالجة العقيمات والمصروعين وإيواء الفقراء والمساكين. ولدت بدر بقرية ميت السودان بمحافظة الدقهلية، كان والدها الشيخ محمد الغباري، له ثلاثة ذكور: حسن وأحمد وعلي، وابنة وحيدة هي بدر الصباح، التي اشتهرت بعدها بنور الصباح، وكانت تشترك في إحياء هذه الندوات وما يليها من الذكر الحكيم والإنشاد، وكانت تحب السيد البدوي حبًّا شديدًا، وتتردد على آل البيت. تقدم لخطبتها شاب من أهل القرية، ووافق الوالد، ولكنها قالت لأمها: "إحنا ناس بتوع ربنا وبتوع أهل البيت. قولي لوالدي خلي الطابق مستور"، إلا أن الأم رفضت إبلاغ الأب. وتمت إجراءات الزواج دون رضاها، وزفت إلي بيت العريس، وأغلقوا عليها الباب لتنتظر عريسها، وعند دخول أهله الغرفة، لم يجدوا أحدًا، وظل الجميع يبحث عنها، فيما جلس الأب حزينًا، واستنكر أن تهرب ابنته التي اشتهرت بالصلاح، وذهب إلى المنزل، ودخل المضيفة، فوجد امرأة ترتدي ثوبًا أسود، فصاح: من أنت؟ فأجابت صباح: ألم تقل لك أمي إحنا ناس بتوع ربنا. لا تفشِ السر، وخلي الطريق مستور. نظر إليها بإمعان وتدبر، وبعد صمت طويل قال لها: هل أنت هكذا؟ قالت: نعم، وتوكل على الله". من هنا ذاع صيت نور الصباح. وعرَّفها الخادم بأنها "العارفة بالله صباح"، التى أنشأت ثلاث تكايا: واحدة في قرية ميت السودان، والثانية في طنطا بالغربية، والثالثة في مركز دسوق بكفر الشيخ، واتخذت السيدة صباح تكية طنطا دارًا لإقامتها؛ نظرًا لحبها الشديد للسيد البدوي؛ لذا قررت أن تقيم بجواره.. وكانت تكاياها معدة لاستقبال الزائرين وإيواء الفقراء والمساكين والمحتاجين والضعفاء والمرضى، مع تقديم الطعام للوافدين عليها. كما كانت تحيي الليالي بالذكر وتلاوة القرآن، ولم تكن السيدة لها صيغة دعاء معروفة أو أوراد مشهورة، وإنما إلهامات يجريها الله على لسانها – على حد قوله- فتستجاب بها الدعوات، وما من شك أنه كان لها أسماء مختارة من أسماء الله الحسنى تذكر بها الله في خلوتها على مسابحها العديدة وعقب صلواتها، حيث كانت تحيي ليلة الجمعة، وتوزع فيها صدقات كثيرة، وكانت تحتفل بمولد النبي عليه الصلاة والسلام وموالد الأولياء، وتحتفل بشهر رمضان والعيدين، ففي عيد الفطر كانت توزع الصدقات، وفي عيد الأضحي كانت تضحي بأربعين خروفًا، واليوم التاني والتالت تذبح عشرين خروفًا، وفي ذكر كراماتها الكثير والكثير. توفيت يوم الاثنين 10 جمادى الآخرة سنة 1327 هجرية 1909 ميلادية، ودفنت بضريحها في اليوم التالي، وما زالت تكيتها باقية على حالها دليلاً على أعمالها الخيرية.