بعد الأزمة الخليجية بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى، انتقل العدوان العربي على اليمن بقيادة الرياض من مرحلة التحالف إلى مرحلة الإخوة الأعداء، ولولا هذه الأزمة لما تكشفت الخفايا الخبيثة والتحركات المشبوهة لهذه الدول الخليجية، التي بدأت تتوضح أهدافها من عدوانها على اليمن، فلغة التخوين بين هذه الدول وصلت لحد قتل بعضهم بعضًا في اليمن؛ من أجل السيطرة والنفوذ. الإمارات تتهم قطر حمّل سفير دولة الإمارات العربية المتحدة في موسكو، عمر سيف غباش، قطر المسؤولية عن التسبب في قتل جنود إماراتيين في اليمن، غباش قال إن لدى بلاده أدلة بالصوت والصورة تدعم هذه الاتهامات ضد الدوحة، الاتهامات الإماراتية التي لم يقدم الغباش دليلًا عليها لم يرد عليها الجانب القطري الرسمي بعد، لكنها تأتي في ظل الاتهامات المتبادلة بين الطرفين. وقال الغباش بأن قطر سربت معلومات عن خطط التحالف لتنظيم القاعدة في اليمن، جاء ذلك في لقاء خاص مع برنامج "بلا قيود" في نسخته الإنجليزية على قناة "بي بي سي" العالمية، وقال "هناك تسجيلات صوتية لأشخاص معروفين في قطر، يصدرون تعليمات لآخرين، في كلٍ من اليمن وليبيا وسوريا، لتنفيذ عمليات محددة، وهناك في اليمن تحديدًا لدينا معلومات أن حلفاءنا القطريين أخبروا القاعدة بخططنا، وتعرض جنودنا لعمليات انتحارية نتيجة لذلك". ويرى مراقبون أن خطورة التصريحات الإماراتية هي أن الإمارات نقلت ساحة الصراع الخليجية من المستوى الدبلوماسي إلى الشعبي، فتحميل قطر دماء أبناء الإمارات كفيل بتعقيد الأزمة الخليجية. يذكر أن ما يسمى بالتحالف الدولي العربي في اليمن طرد قطر من تحالفه، بعد نشوب الأزمة الخليجية، ولكن قبل أن تطرد قطر من هذا التحالف، فإن الدوحة تدّعي بأنه كانت هناك محاولات من قبل دول التحالف وخاصة الإمارات، لتوتير علاقتها بالولايات المتحدة، على الرغم من أن أمريكا ودول الخليجية يعملون جميعهم تحت مظلة واحدة في عدوانهم على اليمن. ففي الدوحة عقدت وزارة الداخلية القطرية مؤتمرًا صحفيًّا، جددت فيه اتهام الإمارات باختراق موقع وكالة الأنباء القطرية قبل بدء الأزمة الخليجية، ونسب تصريحات قالت بأنها مفبركة لأمير البلاد، تميم بن حمد، حول المملكة العربية السعودية، وقالت الوزارة إن اختراق وكالة الأنباء تم فعلًا من موقعين في الإمارات، كما أظهرت عناوين ال "آي بي" المستخدمة في العملية، وعرضت لجنة التحقيق شريط فيديو يرصد التفاصيل الدقيقة والتسلسل الزمني للأنشطة التي سبقت اختراق موقع وكالة الأنباء، وصولًا إلى يوم الواقعة، ضمن خطة أعدت قبل ثلاثة أشهر على الأقل بتقنيات متطورة وأساليب مبتكرة؛ اعتمادًا على فريق من الخبراء في عمليات القرصنة الإلكترونية. وكانت الدول الأربعة قد قطعت علاقاتها مع قطر في الخامس من يونيو الماضي، بعد اتهامها بدعم وتمويل الجماعات الإرهابية والتدخل في شؤون دول المنطقة. قطر لم تقم فقط بفضح التورط الإماراتي في عملية الاختراق لوكالة أنبائها القطرية، فوسائل إعلامها بدأت تفضح المساعي الإماراتية في اليمن، حيث كشفت المزيد عن الدور الإماراتي بأبعاده وأدواته ورجاله وأهدافه، فسلطت الضوء على محافظة المهرة اليمينة، وهي المنطقة التي تقع على حدود سلطنة عمان، وخطورة هذا الخبر أن قطر كانت قد قالت بأن هناك محاولة إماراتية لقلب نظام الحكم في سلطة عمان. وتعد المهرة بوابة اليمن الشرقية، وتمتد على مساحة واسعة؛ باعتبارها ثاني أكبر المحافظات اليمنية بعد حضرموت، ومساحتها تساوي مساحة الإمارات، وتمتاز بمناطق سياحية خلابة، ولها منفذان: صيرفت وشحن. وتندرج المهرة عسكريًّا ضمن قيادة المنطقة الثانية، وظلت بعيدة عن الحرب الدائرة في اليمن، غير أن أنظار السلطات الإماراتية اتجهت صوبها بنشاط عسكري متسارع، وهو أمر استفز أهلها، وقالت المصادر الإعلامية القطرية إن خدمة الهلال الأحمر الإماراتي في اليمن كانت الغطاء الذي انطلقت تحته الإمارات في المهرة، ثم تحركت عسكريًّا وأمنيًّا بإنشاء وحدات عسكرية لها، ثم وقفت أبو ظبي بعدها وراء تعيين شخصيات من المهرة تقيم في الإمارات، كمحمد أحمد قحطان النجيبي، ووضعته في منصب مدير أمن المحافظة، والنجيبي على صلة وثيقة بيوسف سعيد الكعبي من الهلال الأحمر الإماراتي، وهو ما يشير إلى أن الكعبي لم يكن دوره إغاثيًّا فقط، وبعد تزايد نفوذهم طلب الإماراتيون كشوفًا أخرى لمواقع الجيش والأمن اليمني، فأذعنت الجهات اليمنية للضغوط الإماراتية، بعد تهديدها بوقف المساعدات ورواتب الجنود. وفي الأشهر الأولى من وجودها في المهرة، وزعت الإمارات نحو 30 سيارة لاستقطاب الوجهاء، واختارت الشيخ العوبثاني الذي يحمل الجنسية الإماراتية ليكون واجهة لتحركاتها. عمان لم تترك الوضع على حاله، فكان ردها تجاه التحركات الإماراتية بزيادة حجم المساعدات لمحافظة المهرة التي تربطها بها علاقات قوية، فاضطرت الإمارات لتغيير طاقمها العامل بالمهرة عقب ردود أفعال غاضبة تجاه دفعة تجنيد قامت بها على أساس الولاءات القبلية لها. ويبدو أن قطر بعد طردها من التحالف بدأت تفضح الدور الإماراتي في اليمن والساعي إلى السيطرة على مناطق استراتيجية بها، منها المطلة على البحر كالمهرة، ومنها ذات المكانة السياحية المتميزة كجزيرة سقطرى، كما أنها بدأت في التركيز على الانتهاكات الإماراتية في اليمن كالسجون السرية تحت الإشراف الإماراتي، وقوات الحزام الأمني في عدن المدعومة من أبو ظبي، والمحاولات الانفصالية للحراك الجنوبي بدعم من الإمارات أيضًا.