بعد أن انفض سامر النهش الخليجي المصري في جسد قطر، بمناسبة أزمة اختراق وكالة الأنباء القطرية الرسمية "قنا"، تكشفت ملابسات الهجمة الإعلامية، التي تأتي بعد أيام قليلة من انعقاد قمة "الرياض ترامب" وتوحي بأن الأزمة ربما لن تقف عند حدود الإعلام، بل ربما تتعداها إلى ما هو أبعد إلى "حرب" حقيقية لكن بلا رصاص قد تنتهي بمحاولة انقلاب كالتي فشلت في تركيا ونجحت في مصر، بحسب مراقبين. الحرب التي شنها "ابن سلمان" بالاشتراك مع بن زايد والسفيه السيسي على قطر، يقود إلى نفوذها المتعاظم، ودورها الإقليمي المتزايد، ومواقفها في العديد من قضايا المنطقة الحساسة أهمها الانقلاب في مصر والمقاومة في فلسطين والثورة في كل من ليبيا واليمن، وما يمكن أن تلعبه هذه الحرب من ضغوط على الدوحة للتخلي عن تلك المواقف. هاكرز بن زايد الحرب بدأت في أكتوبر الماضي، عندما نشر موقع the intercept تقريراً تحت عنوان "جواسيس للتأجير"، وكشف تفاصيل مهمة عن دولة خليجية تقوم باستقطاب عباقرة الهاكرز في العالم، للعمل في شركة “دارك ماتر” في أبوظبي والموجودة في نفس مبنى جهاز المخابرات الإماراتية؛ وفي ذات الوقت تسيطر هذه الشركة وتراقب الحواسيب داخل الدولة لصالح الجهاز بما فيها خصوصية الإماراتيين أنفسهم. قبيل عام 2016، جاء موظفون للشركة من عدة مؤسسات للأمن والاستخبارات الأمريكية، واحد منهم، هو محلل الشبكة العالمية لوزارة الدفاع الأمريكية ويقوم ب"أنشطة ضد شبكات معينة ويدعم "جمع الاستخبارات الأجنبية" وشخص آخر كان لمكافحة التجسس وهو "وكيل خاص" للبنتاجون، ويمتلك تصريح أمني أعلى من "سري" وقادر على العمل على جهاز كشف الكذب، وغيرهم كثيرون الذين يحظون بعروض عمل مغرية جدا. تحدث التقرير في الموقع الأمريكي الشهير عن طريقة التجنيد والعمل، وطريقة الاختراق والعبث للمواقع الإلكترونية، والتي يبدو أن اختراق وكالة الأنباء القطرية لن يكون الأخير في سلسلة القوائم التي تُمكن جهاز المخابرات الإماراتي من استمرار عملية تشويه السُمعة الذي يقوده ضد الدوحة. انقلاب 30 يونيو أما عن أسباب تلك الحرب الخليجية فيمكن وضعها تحت عنوان أن قطر تغرد خارج سرب إجهاض ثورات الربيع العربي، ففي مصر تصر قطر على دعم شرعية الرئيس المنتخب محمد مرسي ورفض القمع العسكري الواقع على جماعة الإخوان المسلمين، والتمسك بخطاب إعلامي مناهض لنظام السفيه السيسي، رغم الوعود السابقة بالتخلي عن هذا الأمر كشرط للعودة إلى البيت الخليجي، في أعقاب أزمة سحب السفراء عام 2014. أما عن دعم المقاومة في فلسطينالمحتلة، أزعجت استضافة قطر لمؤتمر إعلان الوثيقة الجديدة لحركة حماس، دول الخليج بشدة، وسط ضغوط أمريكية لعدم انعقاده. وبينما يستمر الدور القذر الذي تلعبه الإمارات تحديدًا لإسقاط الثورة في ليبيا، تستمر الدوحة في دعم الجماعات المسلحة المنتمية للثوار، على حساب اللواء المنقلب خليفة حفتر المدعوم إماراتيًا، كما تعترض قطر على انفصال الجنوب اليمني، رغم المساهمة والمباركة الإماراتية له. وإذا جئنا للتحالف التركي القطري، فإن الاتفاق على إنشاء أول قاعدة عسكرية تركية بالخليج في قطر، أثار موجة غضب عارمة، بحجة رفض الوجود العثماني في شبه الجزيرة العربية، أما الوجود العسكري الأمريكي أو البريطاني أو الفرنسي وربما الصهيوني مستقبلاً، فهو مقبول تحت شعار حماية العروش. ذكاء قطر رد الفعل القطري كان ملفتا في ذكاء الإشارات، حيث جاء على لسان وزارة الخارجية القطرية، وليس وزارة الداخلية باعتبار الاختراق أمرا أمنيا، وهو ما يعطي إشارة واضحة على كون الاختراق مؤامرة خارجية تستهدف الضغط على قطر ومواقفها السياسية. وزارة الخارجية القطرية أكدت أنها ستلاحق المسؤولين عن اختراق وكالة الأنباء القطرية، مشيرة إلى أن دولا صديقة وشقيقة أبدت استعدادها للمشاركة في التحقيق حول الاختراق، وهي الدلالة الثانية على كون الدوحة لا ترغب في الاستسلام لضغط العدوان الثلاثي (المصري السعودي الإماراتي)، وأنها ستقوم باستنفاذ كل فرص الرد. في هذه "الحرب" الخليجية تبدو قطر محاصرة وسط محيطها العربي، بدعم أمريكي، حصلت خلاله السعودية والإمارات على الضوء الأخضر من ترامب خلال القمة الخليجية الأخيرة بالرياض. تصاعد الأزمة وتبقى السيناريوهات القطرية لمواجهة الأزمة تقوم على مواصلة النفي إلى حين إثبات الاختراق بشكل واضح، ومن ثم التأكيد بمواقف عملية سياسيًا ودبلوماسيًا، على رفض ما جاء في التصريحات الملفقة. السيناريو الثاني قد يدفع قطر إلى التمسك أكثر بمواقفها التي سببت الغضب الخليجي، مع إمكانية المراوغة بشأن تقديم تعهدات بحلحلة ما للأزمات، لكنه يبدو مستبعدًا في حال تطورت القضية وتصاعد الغضب. أما سيناريو الاستسلام، والرضوخ لمطالب الخليج رغم أنه مستبعد لكنه يظل مطروحًا على مائدة صناع القرار في الدوحة، لكنه يتوقف على مدى استمرار الضغط وتنوع أشكاله وأساليبه واتجاهاته. السيناريو الرابع، يفضي إلى إمكانية تدخل أطراف إقليمية أو ودولية ذات ثقل وتتمتع بقبول ما لدى تلك الدول لمعالجة الأمر، وتظهر تركيا في المقدمة، كما يمكن لأمير الكويت أن يلعب دورًا ما. غير أن هذا التدخل قد ينتقل من إطار محاولة التوفيق إلى الضغط في الاتجاه المعاكس، لخلق حالة توازن تخفف الضغط عن كاهل الدوحة، الأمر الذي يهدد باشتعال الأزمة.