يصادف في تركيا اليوم ذكرى محاولة الانقلاب الفاشلة، التي شهدتها البلاد في العام الماضي، إثر محاولة عدد من قيادات الجيش الانقلاب على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلا أنها فشلت، وأسفرت عن مقتل عدد من الأشخاص وتسريح آلاف الموظفين واعتقال مئات الآلاف، وجهت لهم السلطات تهمًا بالمشاركة في هذه المحاولة. وبعد مرور عام يطرح المتابعون تساؤلات عن هذا التحرك، وما حدث بعده في تركيا من أحداث، كانت مؤثرة في الحياة السياسية والاقتصادية داخل تركيا. حادث الانقلاب في منتصف 15 يوليو شهدت تركيا أحداثًا عدة، لم تشهدها من قبل، ساعات من الفوضى العارمة صاحبت اشتباكات واسعة وسماع صوت الرصاص هنا وهناك، بعد إعلان مجموعة من الجيش التركي الاستيلاء على الحكم وفرض الأحكام العرفية وحظر التجوال في البلاد. ومثلت الأحداث المتسارعة التي حدثت في مثل هذا اليوم دراماتيكية بالمشهد السياسي، حيث بدأ تسلسل الأحداث وإثارة المشهد، عندما أعلنت السفارة الأمريكية في أنقرة أن طائرات يبدو أنها عسكرية حلقت على ارتفاع منخفض فوق أنقرةوإسطنبول لمدة ساعة، وبعد ذلك خرج رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، وأكد أن «هناك بالفعل محاولة تمرد ضد الديمقراطية والإرادة الشعبية.. ولن تسمح السلطات، وتتنازل عن الديمقراطية أبدًا»، فيما تعطلت بصورة مؤقتة مواقع التواصل الاجتماعي والاتصالات الهاتفية في تركيا، وانتشر الجيش التركي في شوارع أنقرةوإسطنبول، وسيطر على مقر الإذاعة والتليفزيون الرسمي. تزامنت هذه الأحداث مع إعلان مجموعة من الجيش التركي في بيان عبر التليفزيون الرسمي أنهم استولوا على السلطة في البلاد؛ من أجل الحفاظ على الديمقراطية وحقوق الإنسان. وعقب البيان خرج الرئيس التركي، رجب طيب أرودغان، عبر سكايب؛ ليتوعد مَن وصفهم ب «محاولي الانقلاب على الديمقراطية»، مؤكدًا أنهم سيدفعون ثمنًا باهظًا أمام القضاء التركي. وجاء أول ظهور ومؤشر لفشل هذا الانقلاب مع إعلان وحدة المخابرات التركية «هزيمة الانقلاب» واستمرار المواجهات بين الجيش والمتظاهرين في الشوارع، لتعلن بعدها بقليل قوات الأمن التركية عن اعتقال 13 عسكريًّا من منفذي محاولة الانقلاب، بينهم 3 ضباط، أثناء محاولتهم اقتحام المجمع الرئاسي. رد أردوغان على الانقلاب وبعد فشل الانقلاب مباشرة كان رد أردوغان حادًّا، حيث عمل في أعقاب ذلك على تغيير الوضع السياسي والاجتماعي والدبلوماسي لتركيا، فيما قامت السلطات التركية بعملية تطهير واسعة غير مسبوقة في التاريخ الحديث للبلاد، تلاحق من خلالها أنصار الداعية فتح الله جولن المتهم بتدبير الانقلاب الفاشل، رغم نفيه المتكرر مشاركته في هذا الأمر، وتوصيف ما حدث بأنه مسرحية نفذها مؤيدو أردوغان؛ لتكون ذريعة لبدء حملة ضد معارضيه. وشملت عملية التطهير، التي تجاوزت إطار من اتهموا بمناصرة فتح الله جولن، الأوساط المؤيدة للأكراد، حيث زجت السلطات التركية بأبرز قادتهم السياسيين في السجن، رغم أنهم عارضوا الانقلاب، وصحفيين معارضين، وناشطين في منظمة العفو الدولية غير الحكومية. الحكومة التركية توعدت خلال هذا العام استئصال "الفيروس"، وذلك من خلال حملة تطهير كثيفة، اعتقل خلالها أكثر من 50 ألف شخص، وصرف أكثر من 100 ألف من وظائفهم، أو جمدت. توتر العلاقات مع أوروبا ونتج عن محاولة الانقلاب الفاشلة تأثيرات مهمة على كافة الأصعدة الأخرى، ففي العلاقات الخارجية الدبلوماسية كانت لتركيا سياسة أخرى مع الدول الغربية، فعلى الرغم من أن تركيا كانت مرشحة لدخول الاتحاد الأوروبي، إلا أن علاقاتها توترت بالغرب توترًا شديدًا منذ تلك الفترة. حيث وجهت الدول الأوروبية والغربيةلتركيا انتقادات واسعة؛ بسبب قمع المعارضين، فبعد عام لا تزال أنقرة تجد صعوبة في فرض روايتها ومبرراتها لحملات التطهير الواسعة على العواصمالغربية، مما أسفر عن توتر دبلوماسي، وردَّت أنقرة بغضب على الانتقادات الأوروبية لانتهاك الحريات، وطالبت واشنطن بتسليم جولن، لكن واشنطن تجاهلت هذا الطلب حتى الآن. تزايد سلطوية أردوغان حاول أردوغان أن يزيد من سلطويته، من خلال تعديل الدستور والاستفتاء عليه من قبل الشعب، الذي تم تمريره بفارق ضئيل، وينص على تعزيز صلاحيات أردوغان، الذي اتهمه منتقدوه باستغلال حالة الطوارئ المطبقة منذ الانقلاب لخنق أي شكل من أشكال المعارضة، ولا سيما وسائل الإعلام التي لا تقف في صفه. وبعد عام على الانقلاب الفاشل، يبدو أردوغان في أوج قوته، فقد استعاد الإمساك بالجيش، الذي قام بعدد كبير من الانقلابات في تاريخ تركيا، وحصل على تعديل للدستور، يتيح له نظريًّا البقاء في الحكم حتى 2029. ورغم ما نتج عن ذلك من انقسام عميق في المجتمع بين مؤيدي أردوغان ومعارضيه، تمكنت حركة احتجاجية للدفاع عن "العدالة"، يقودها زعيم حزب الشعب الجمهوري (أبرز أحزاب المعارضة) كمال كيليتشدار أوغلو، من حشد مئات الآلاف من المستائين من الوضع في تظاهرة عارمة في إسطنبول الأحد الماضي، بعد مسيرة 450 كلم من أنقرة.