نواصل لقاءنا مع العظيمين إيهاب شاكر وسميرة شفيق؛ ليكملا مشوار حياتهما، الذي هو مشوار لحياة الثقافة العربية، وكيف نجحت سميرة في تطوير لغة الطفل، وكيف أبدع إيهاب في عزف سيمفونيات برسوماته المبهجة، وسر نجاحهما في تحقيق هذا التميز. لغة الأستاذة تجاوزتِ دارجة توفيق الحكيم وعامية يحيى حقي اللذيذة بعاميتها الفصيحة. سميرة: لغتنا لها أصول فرعونية. وهي لغة جميلة وبسيطة. والعامية المصرية بوصفها من تراثنا. من الأمور التي "تعكنن عليَّ" أن أسمع مذيعين يكلموننا وهم يقلدون لهجة دول عربية. أحس أنه يبيع نفسه لمحطة عربية. لماذا لا تتكلم باللهجة المصرية؟ الناس كلها تحب اللهجة المصرية، وسنتكلم عربي بشكل جيد. لم أذهب إلى بلد عربي إلا ويقولون لي كلامكم نحبه جدًّا. وتاريخنا وتراثنا يحبونهما، لكننا لا نحبهما. نحن لا نحب تراثنا، ونقلد أشياء مملة ليست أشياءنا. لماذا نهدم روحنا؟ من هنا كانت أهمية عمل مثل "هنونة وجدتها سونة". أنت تعملين تطريزًا لغويًّا.. فسيفساء لغوية.. طبخة لغوية. سميرة: هي تخرج مني هكذا.. أنا لا أعمل شيئًا. إيهاب: تكتب بطبيعتها. سميرة: أنا أحب ألا تعيد الجملة لكي تفهمها. ولكن أن تكون سهلة مفهومة. المهم الفكرة تصل، ولا تتعبك، واضحة ومفهومة. وأنت عندما تحكيها للطفل لا يملُّ. افرض أني الآن سأقعد لأقرأ للطفل كلمات "مكلكعة"، أكيد سيرفض أن يسمع. انظري إلى سلاسة كلامك "على شاطئ النيل.. كانت بيوت القرية جميلة.. الأزهار والنخيل والأشجار طويلة.. وكانت ل "جملات".. أحلى البنات.. دجاجة ترقد على عشر بيضات". الكلام فصحى بسيطة، وفيه كل شيء. سميرة: وتقدر أن تقوله للطفل، سهل يعني. وفي لغتك إيقاعات موسيقية، هل هي تلقائية، أم من قراءتك، أم عشرة فنان يعزف بالألوان، وخطوطه أوتار؟ سميرة: بتلقائية خالص. إيهاب: هذا ما أوصله للمتلقي.. ووصل لك، وأنت تقول كلام فنان وليس متلقيًا للفن فقط أو متذوقًا. سميرة: إيهاب يحب ما يعمله. الأهم في لغة الأستاذة أنها ألغت المساحات بين الكاتب والطفل. سميرة: أتخيل روح الطفل، وكيف أكلمه. لا يمكن أن أقول له أمورًا لا علاقة له بها. أنا نفسي طفل كبير. عندما تختلفان في عمل، هل الرسم يخضع للنص، أم العكس؟ سميرة: سأخبرك بشيء لطيف.. ساعات عندما أكتب عملاً، يقول لي "دي ما بتترسمش".. أقول له "طيب هاشوف هتترسم إزاي.. أروح مصلحاها علشان تترسم. وساعات هو يدخل في تحدي مع نفسه، لرسم حاجات صعب جدًّا إنها تترسم". هل كل علاقتكما الفنية عمل فقط؟ سميرة: كان إيهاب زمان راكن لوحات قديمة في البيت، ولم يكملها، وأنا نفسي يرسم painting، الكاريكاتير والصحافة والكتب شغلته عن ال painting. تريدين لوحات؟ سميرة: نعم أريد لوحات.. حتى جاء في يوم وجدني جالسة، أحضرت الشاسيه والألوان، وأخذت أقلد إحدى لوحات الفنان جوجان.. فاكر يا إيهاب؟ إيهاب: آه.. فوجئت أنك جالسة ترسمين بألواني. سميرة: عندما دخل شم رائحة الزيت. قال لي: إيه ده؟ قلت له: أنا هارسم بقى ما دمت مش بترسم. ضحك طبعًا وقعد يرسم. وبدأنا الرسم الجميل. هل تسعيان للعمل، أم يسعى إليكما؟ سميرة: لا طبعًا.. يعني مثلاً بداية عملنا بمجلة ماجد كانت بطلب من أحمد عمر، والعربي الصغير كان بطلب من الدكتور محمد الرميحي. ميزة عملك، سواء مجلة أو كتاب، أنك تحافظين على المستوى. سميرة: إما أقدم عملاً أرضى عنه، وإما لا. فكان الدكتور الرميحي رجلاً محترمًا جدًّا، وبدأنا نتعاون معه، حتى كنا نقول لهم: ابعتوا لنا الأصول، فكان يعيد لنا الأصول بكل رقي. أعتقد هو من أسس العربي الصغير. سميرة: هو من أسس العربي الصغير. ولما قامت حرب الكويت ورحل عن المجلة.. أظن أنه سافر للخارج، اتصلوا بنا مرة أخرى، فبدأت أعمل في العربي الصغير، وبعدها قالوا: نريد شخصية مودرن. بدأ الكلام الذي يغضبكما. سميرة: ولا مودرن ولا غير مودرن.. قلت باي باي.. لأن إيه اللي فيه؟ كل شيء يقال من خلال الشخصيات. وهي ليست شيئًا يقول لهم أنتم أقل من أي أحد، أو أنتم مش مودرن، ولا حاجة. الشخصيات وسيلة لتوصيل الرسالة. يعني هُمام الجمل والنعامة ناقر ونقير، يفضلوا كل مرة يتناقروا، ودائمًا تكون بينهما خناقة، ونقدم من خلال الصراع الرسالة، سواء مودرن أو غير مودرن، وهي شخصيات تصلح لكل شيء. لا يريدونكما أن تعملا شيئًا عن البدو. سميرة: نعم. لا يريدون بدوًا. قلت إنك اشتغلت في أدب الأطفال لتحققي ذاتك، فهل حققتِه؟ سميرة: أنا أخذت سنة تفرغ للكتابة للطفل، وقلت سأرى هل سأقدر أن أغيب عن حبيبتي الصحافة، أم لا؟ فوجدت نفسي مستمتعة جدًّا بأني قاعدة أكتب، فلم أرجع للصحافة، وقلت للأستاذ مكرم لا تجدد لي. رغم أنك كنتِ تعملين كل هذا من أجل الصحافة لأن مشوار الصحافة لم يكن يعطيك الفرصة التي تريدها.. دائمًا يقفلها. ليس فيه إبداع سميرة: لا يتركك تعمل الشيء الذي تريده. "حكاية أراجوز" أثارت جدلاً. سميرة: القصة تعرض صراعًا على عروسة المولد بين فارس وأراجوز يقعان في حبها، وهذه مشكلتهما هما، يعني هي في حالها.. ليست طرفًا في الموضوع. وفجأة وجدا أنفسهما "هبل"، فسلما على بعضهما، وتصالحا، والعروسة أخذها رجل، واشتراها لابنته ومشى. لماذا ثار جدل حولها؟ سميرة: أنا فوجئت بمن تننقد القصة، وتقول: يعني العروسة التافهة الهايفة اللي مش عارفة إيه. لا هي لا تافهة ولا هايفة. ساعات الناس تحارب بعضها على تهيؤات لا حقائق. إن أمكن وضع عنوان لمشوار حياتك؟ سميرة: مشوار حياة سميرة شفيق. لمطالعة الجزء الأول: «البديل» في لقاء ثنائي حول التوءمة الفنية بين سميرة شفيق وإيهاب شاكر (1-3)