تزايد حدة الأزمة التي تجتاح شبه الجزيرة الكورية، يوضح بشكل كبير أن الخطة التي وضعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من أجل حل اللغز الكوري الشمالي يصعب تحقيقها وغير موجودة. وبعد استخدام الطريقة السياسية بما فيها التهديدات ضد بيونغ يانغ، يبدو أنه في غير محله أن نأمل تحمل الصين عبء استفزازات كيم جونغ أون، بجانب العقوبات الشديدة ضد الكيانات التجارية الكورية الشمالية والصينية، ومن الواضح أن ترامب لم ينجز شيئا من خلال تغريداته ووعوده بحل المشكلة. في الواقع، أصبح من الواضح بشكل محرج رداءة السياسة التي يتبعها ترامب تجاه كوريا الشمالية، ومع وجود دلائل على اكتساب كوريا قدرة مشتركة بين القارات تفيد بأن علماءها ومهندسيها يعملون على سلاح نووي مصغر قادر على التزاوج مع الصواريخ بعيدة المدى، يبدو أن شبه الجزيرة وصلت إلى مرحلة خطيرة من عدم القدرة على التنبؤ. كيف يمكن للولايات المتحدة وشركائها في شمال شرق آسيا التصرف مع كوريا الشمالية؟ هناك اقتراحات في واشنطن لمضاعفة الضغط على كوريا الشمالية، لكن حال حدوث ذلك، لن يفلح، فقد أظهر كيم سابقا قدرته على مواجهة تلك المواقف، فبينما حذر ترامب والقادة العسكريون في الولاياتالمتحدة من خطط عسكرية جديدة، لم تكترث بيونج يانج. نهج الصبر الاستراتيجي الذي تنتظره المنطقة سيؤدي إلى انهيار النظام في كوريا الشمالية أو إعادة تقييم أهدافه، ما يعد مشكلة مماثلة، فكل ما حصل في الماضي، يحضر إلى الأذهان قدرات بيونج يانج الجديدة المقلقة. وفي السياق، بدلا من أن تتبع الإدارة الأمريكية خطوات تقود إلى الهاوية، ينبغي عليها العودة إلى المحادثات السداسية التي بدأت في عام 2003، لوضع إطار للمشاركة بين كوريا الشماليةوالولاياتالمتحدةوالصينوكوريا الجنوبيةواليابانوروسيا، فهذا النهج يستحق المحاولة والعمل عليه مرة أخرى. يبدو أن المفاوضات رفيعة المستوى لها تأثيرها على بيونج يانج بعد سنوات، كما لا ينبغي الحديث مع الخصم لمجرد الحصول على مكافأة، لكن لمعالجة مشكلة شائكة. تسمح المحادثات السياسية بمراعاة مصالح الدول المجاورة بشكل كامل، كما تهتم كوريا الجنوبية بعمق التطورات في شبه الجزيرة، وتريد ضمان أن القوى الخارجية لا تسيطر على مصيرها، في الوقت الذي تشعر فيه اليابان بالقلق حيال خطف مواطنيها من قبل عملاء كوريا الشمالية، ومن جهة أخرى، تريد روسيا أن تحصل على مقعد على طاولة آسيا والمحيط الهادئ، في حين تسعى الصين إلى الحفاظ على استقرار حدودها، خاصة خلال هذه الفترة الحساسة. كانت الحسابات التقليدية الأمريكية أكثر تعقيدا، حيث بدأت برغبة الولاياتالمتحدة في كبح جماح الانتشار النووي والحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة، لكن زاد ذلك من التعقيدات. ترفض الولاياتالمتحدة بإدارتها الحالية هذا النوع من الأدوار القيادة، وهي فقط ترى قارة آسيا مرساة لاجتذاب أمريكا من خلال التجارة غير المتوازنة والاتفاقات والالتزامات الدفاعية المفتوحة. تزداد مشكلة كوريا الشمالية سوءا بسبب المخاوف الخاصة بتراجع الولاياتالمتحدة عن مسؤوليتها العالمية، لكن بعودتها إلى طاولة المفاوضات مع كوريا الشمالية سترسل واشنطن رسالة ترحيب للمنطقة. العودة إلى مائدة المفاوضات لن يكون بالأمر السهل لإدارة ترامب، وربما يكون مصدرا محتملا للنزاع الداخلي، فالعالم تغير كثيرا منذ عام 2003، حيث أصبحت الصين أكثر قوة، وستصمم على الاضطلاع بدور أكثر مركزية في أي مفاوضات بشأن كوريا الشمالية. العودة إلى المحادثات السداسية ستسمح للرئيس ترامب بالبناء على تقاليد السياسة الخارجية الأمريكية وتجنب ما يبدو وكأنه تصميم قاطع على التراجع عن سياسات إدارة أوباما كلها. وأثناء العملية الدبلوماسية ستتطور أهداف كل دولة مشاركة، وفي نهاية المطاف، لن تحل المشكلة الكورية الشمالية إلا بالجلوس والتحدث مع شركائنا وبيونج يانج حول مستقبل شبه الجزيرة الكورية. المقال من المصدر: اضغط هنا