لم يكتف الاحتلال الصهيوني بالتضييق على الفلسطينيين أثناء زيارتهم للمسجد الأقصى الذي يعتبر قبلة المسلمين الأولى، بل شرع في تهويد الأرض وهدم المنازل وتشريد سكانها وسحب الهوية من بعضهم، في محاولة لتغيير ديموغرافية الأرض ومحو التاريخ العربي والإسلامي في فلسطين بشكل عام وإضفاء الشرعية على المشروع والوجود الصهيوني. تعتزم سلطات الاحتلال الصهيوني، البدء خلال الأسابيع المقبلة، في العمل على سلسلة طويلة من المخططات لتوسيع الأحياء اليهودية في القدسالمحتلة، وإقامة مبان جديدة للمستوطنين اليهود داخل الأحياء الفلسطينية، حيث كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن بلدية القدس ستصدق خلال الأسبوعين المقبلين على بناء نحو ألفي وحدة سكنية في مستوطنات تقع شرق القدسالشرقية، تعدها سلطات الاحتلال جزءًا من مساحة المدينة، كما ستصدق البلدية على وحدات أخرى، ومدرسة دينية في حي الشيخ جراح، وستشمل الخطة إخلاء عدد من الأسر الفلسطينية من منازلها بهدف بناء المباني الاستيطانية، وذكرت الصحيفة أن السلطات تزعم أن المنازل الفلسطينية في الشيخ جراح كان يملكها يهود قبل عام 1948. الأنباء التي نوهت عنها الصحيفة الصهيونية، جاءت بعد أيام من مصادرة الاحتلال 30 دونمًا من أراضي بلدة قلنديا شمال القدسالمحتلة لصالح بناء مشاريع عسكرية واستيطانية، الأمر الذي يهدد الوجود الفلسطيني في البلدة، حيث تذرع الاحتلال بالحاجة إلى توسيع حاجز قلنديا العسكري الفاصل بين القدس ورام الله، ليقوم بتسييج المنطقة المصادرة والبدء في أعمال الحفر بها. وخلال الأعوام الماضية، صادر الاحتلال ثلاثة آلاف دونم من أصل أربعة آلاف هم مساحة بلدة قلنديا الإجمالية، عبر إقامة المنطقة الصناعية المسماة "عطروت"، وإقامة جدار الفصل العنصري الذي قسم القرية إلى جزئين منفصلين، حيث بات القسم الشرقي من القرية يقطنه قرابة 600 مواطن، والقسم الغربي 1100، كما يمنع الاحتلال أي أعمال بناء على الجزء المتبقي من البلدة، ومن يحاول تجاوز ذلك، تكون النتيجة الهدم، حتى تحولت البلدة بفعل الجدار إلى شبه جزيرة معزولة عن الضفة الغربية، باستثناء مخرج واحد من الجهة الغربية. الثلاثون دونمًا التي فقدتهم بلدة قلنديا، والألفي وحدة سكنية التي يعتزم الاحتلال بناءها، جزء من مسلسل تهويد مدينة القدس وتغيير ديموغرافيتها وإفراغها من سكانها بشكل كامل، حيث يحاول الاحتلال قلب الأحداث والوقائع في المدينة من خلال جعل المستوطنين الصهاينة يسيطرون على أكثر من نصف المدينة ليصبحوا السكان الفعليين وذي الأغلبية هناك، ويكون الفلسطينيون أصحاب الأرض مجرد أقلية تمهيدًا لمحو وجودهم بشكل نهائي. استعرض تقرير لمؤسسة القدس الدولية قبل أسابيع، عشرات الحقائق فيما يتعلق بمشاريع الاحتلال لتهويد القدس منذ إتمام احتلال شطرها الشرقي قبل خمسين عامًا، وأشار إلى ارتفاع عدد المستوطنين بالأحياء العربية بنسبة 40% والبناء الاستيطاني شرق القدس بنحو 39%، مؤكدًا ارتفاع حالات الاستيلاء على الأراضي ليتبقى للمقدسيين نحو 13% لاستعمالات البناء، مؤكدًا مضي الاحتلال في سياسته ورصد ميزانيات ضخمة لتهويد المدينة. وفي السياق، أوضح مركز الإحصاء الإسرائيلي، أن عدد المستوطنين اليهود في مدينة القدسالمحتلة هذا العام وصل 547 ألفًا أي ما يعادل 63% من سكان المدينة، في مقابل 423 ألف مواطن فلسطيني أي 37%، وتتحدث معطيات مكتب الإحصاء الإسرائيلي عن وجود أكثر من 60 ألف نسمة بمنطقتي مخيم شعفاط للاجئين ومنطقة كفر عقب، وهما المنطقتان اللتان قطعتا عن القدس بسبب الجدار. في ظل جميع محاولات التهويد الإسرائيلية والسعار الذي أصاب الاحتلال الصهيوني على الأراضي الفلسطينية سواء في الضفة الغربية أو القدسالمحتلة، تظل المدينة بكل قراها تحارب من أجل البقاء لتضرب مثلًا في الصمود الفلسطيني القائم منذ عقود رافضًا التخلي عن الهوية العربية الإسلامية التاريخية، لكن في الوقت نفسه يحذر العديد من المراقبين من تدحرج كرة النار الإسرائيلية لتلتهم باقي القرى والأراضي الفلسطينية، فالمخططات الإسرائيلية قد تنجح في ظل عدم وجود من يكبح جماحها.