يظن الكثير من الأتراك أن المسيرة، التي يقودها حزب الشعب الجمهوري المعارض، ستؤدي إلى بعض التغييرات في المشهد السياسي التركي، الذي تقوى فيه شوكة حزب العدالة والتنمية الإسلامي بزعامة أردوغان، يومًا بعد الآخر، بعد إقرار التعديلات الدستورية التي ضاعفت من صلاحيات الرئيس رجب طيب أردوغان. وبعد ترتيب الرئيس التركي بيته الداخلي في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو من العام الماضي، عبر تمرير التعديلات الدستورية، اشتدت القبضة الأمنية في الآونة الأخيرة لتكميم أفواه المعارضين، وإفساح المجال لسياسات أكثر سلطوية من شأنها تعزيز حكم أردوغان وحزبه للجلوس على كرسي الحكم أكثر فترة ممكنة، الأمر استخدمه الرئيس التركي في فترة سابقة إزاء حزب الشعوب الديمقراطي الكردي. ويستخدم أردوغان نفس السياسات التي تعتمد على شيطنة المعارضة وإرهابها مع "الشعب الجمهوري"، أكبر أحزاب المعارضة، الذي يواجه حملة قمع من جانب السلطة خلال الفترة الراهنة، لا سيما بعد اعتقال قياداته والتلويح بإدراجه على قوائم الإرهاب. وكانت قضية بربر أوغلو، أحد نواب حزب الشعب الجمهوري، الذي قضت المحكمة بسجنه 25 عامًا بتهمة الكشف عن أسرار الدولة لصحيفة جمهوريت، الشرارة المسببة للأزمة بين المعارضة وأردوغان، حيث نشرت الصحيفة عام 2015 صورًا وفيديو تظهر الاستخبارات التركية وهي تسعى إلى نقل أسلحة عبر الحدود إلى سوريا، لكن السلطات التركية تقول إن النائب المعارض متورط في قضية إفشاء معلومات سرية بقصد التجسس السياسي أو العسكري، واتخذت المحكمة الجنائية الرابعة عشرة في إسطنبول قرارها بحق بربر المتورط في قضية توقيف شاحنات جهاز الاستخبارات، بداعي أنها تحمل أسلحة إلى «الإرهابيين» في سوريا، في جلسة مغلقة، حضرها محامي المتهم. الأزمة ازدادت سخونة عندما عبرت مسيرة دعا لها كيليتشدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجهوري، 450 كلم من أنقرةلإسطنبول على مدار 17 يومًا، احتجاجًا على الحكم بسجن المعارض التركي، ويرى محللون أتراك أن المسيرة التي قادها أوغلو تعد تحديًا كبيرًا لأردوغان الذي ينظر إليها بازدراء، ووجه لها توبيخات واتهامات بأنها تقف مع الإرهابيين. واتهم أردوغان أمس حزب المعارضة الرئيسي بالوقوف إلى جانب الإرهابيين، معتبرًا في كلمة أمام ممثلي حزبه في أنقرة أن "الخط الذي يمثله حزب الشعب الجمهوري تخطّى المعارضة السياسية، واتخذ بعداً جديداً"، وتوجه إلى كيليتشدار أوغلو بالقول "إن كنتم تتظاهرون من أجل حماية الإرهابيين ومن يدعمهم ولم يخطر لكم أن تتظاهروا ضد المنظمات الإرهابية، فلن تتمكنوا من إقناع أحد بأن هدفكم هو العدالة"، ورفض كيليتشدار أوغلو تعليقات أردوغان، معتبرًا أنها "تناسب ديكتاتورًا". واتهم أوغلو أردوغان بإقامة "انقلاب ثانٍ"، بعدما أعلن حالة الطوارئ في 20 يوليو، مستدلًّا بما شهدته تركيا منذ ذلك الحين، حيث تم اعتقال 50 ألف شخص، وفقدان أكثر من 100 ألف لوظائفهم، مضيفًا أن نتائج (15 يوليو) استخدمت لتنفيذ الانقلاب الثاني في 20 يوليو، مؤكدًا أن حزبه يرفض سجن الصحفيين والبرلمانيين، والعيش في بلاد لا توجد فيها العدالة. وزادت المعارضة من سقف انتقاداتها؛ بتوجيه اتهام صريح للسلطة القضائية، وهو أمر جديد ومفاجئ على الساحة السياسية التركية، ويشير إلى مزيد من الاصطدام بين السلطة والمعارضة في الفترة المقبلة، خاصة أن السلطة القضائية والشرطة كانتا تمثلان عائقًا، بحسب الخبراء الأتراك، أمام مزيد من سلطوية الرئاسة، لكن منذ إعلان حال الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، وتجديدها ثلاث مرات وتزايد صلاحيات الرئيس التركي وإبعاد قضاة وأعضاء بالشرطة من وظائفهم، زاد القلق بشأن الفصل بين السلطات في تركيا، حيث قال الزعيم التركي المعارض، كيليتشدار أوغلو، إن المسيرة تعتبر تحديًا للإجحاف، ومطلوبة «لغياب القضاء المستقل».