يعتبر فتح مكة واحدًا من الفتوحات التي لعبت دورا هاما في تاريخ الدولة الإسلامية الناشئة، فقد ضرب بها الرسول أهم معاقل الكفر في الجزيرة العربية ورد الله للمسملين عزتهم من جديد، وذلك بعد أن نقضت قريش صلحها مع الرسول محمد ليأذن الله له بالنصر والفتح المبين. اتخذ الرسول قرار فتح مكة عقب نقض قريش لصلح الحديبية الموقع بين الطرفين في العام السادس الهجري والذي كان من بنوده أن أي قبيلة لها حرية الاختيار في أن تدخل في حلف الرسول وعهده أو في حل قريش وعهدها فدخلت قبيلة "خزاعة" في عهد الرسول وقبيلة "بنو بكر" في عهد قريش. كانت بين القبيلتين مناوشة وحروب مستمرة فأغارت "بنو بكر" بمساعدة من قريش بالسلاح والرجال على "بنو خزاعة" وقتلت منهم بعض أفرادهم، فاستغاثت الأخيرة بالرسول وأعلمته أن قريشا أخلفت وعدها، فما كان من الرسول إلا أن أمر المسلمين بالاستعداد لغزو قريش نصرة لحليفتهم وتأديبًا للمعتدين، توسطت قريش لدى الرسول عن طريق زعيمها أبو سفيان بن حرب لوأد الحرب لكن النبي رفض وعزم على الغزو وأمر بالتجهز له. طلب الرسول المعاونة من القبائل المسلمة التي تعيش حول المدينة وهي "أسلم، ومزينة، وجهينة، وغفار، وسليم" فاستجابوا له وتحرك النبي من المدينة صوب مكة وفتحها في 20 رمضان 8ه الموافق 10 يناير 630م بجيش قوامه 12 ألف جندي. حاطب بن أبي بلتعة لما قرر الرسول غزو مكة قام الصحابي حاطب بن أبي بلتعة بإرسال رسالة إلى قريش أعلمهم فيها بما نوى عليه الرسول تجاه قريش، وأرسل رسالته مع أمة من بني عبدالمطلب فبعث النبي وراءها علي بن أبي طالب والزبير بن العوام فأدركاها في الطريق قبل مكة وأخذا منها الرسالة، وهنا ضرب النبي مثالا في كيفية تعامل القائد العسكري مع جنوده إذا أخطأوا وقت الحرب، فقال له الرسول: "ما هذا يا حاطب؟" فقال حاطب: "لا تعجل عليّ يا رسول الله، والله إني لمؤمن بالله ورسوله، وما ارتددت ولا بدلت, ولكني كنت امرأ ملصقًا في قريش لست من أنفسهم ولي فيهم أهل وعشيرة، وولد وليس فيهم قرابة يحمونهم، وكل من معك لهم قرابات يحمونهم فأحببت إذ فاقني ذلك أن أتخذ عندهم يدًا يحمون بها قرابتي"، فقال عمر بن الخطاب: "دعني يا رسول الله أضرب عنقه فإنه قد خان الله ورسوله، وقد نافق"، فقال الرسول: "إنه قد شهد بدرًا وما يدريك يا عمر، لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم". جيش الفتح لما قرر الرسول البدء فعليًا في الفتح أعلن أن "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن"، ثم قسم جيشه إلى ثلاثة أقسام، الأول ولى قيادته خالد بن الوليد وأمره دخول مكة من أسفلها، والقسم الثاني ولى قيادته الزبير بن العوام "حامل الراية" وأمره بدخول مكة من أعلاها، والقسم الثالث ولى قيادته أبا عبيدة بن الجراح وأمره بدخول مكة من بطن الوادي، ووصاهم الرسول ألا يقاتلوا إلا من قاتلهم وبالفعل دخل الجيش مكة ولم يدخل أي لواء من ألويته في اشتباك مع أحد إلا لواء خالد بن الوليد الذي دخل في مواجهة مع مجموعة من قريش كان قائدها عكرمة بن أبي جهل رفضوا الاستسلام للمسلمين، لكنه هزمهم وسقط من الجانبين أعداد قليلة من القتلى. لما دخل النبي مكة دعا سادن الكعبة عثمان بن طلحة وأخذ منه مفتاحها ثم أمر بفتحها وأن تمحى الصور والتماثيل الموجودة بداخلها ثم صلى داخلها وخارجها وأعاد مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة وأمر أن يبقى في عائلته حتى قيام الساعة. وقف الرسول على باب الكعبة وقال: يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟" قالوا: "خيرًا أخ كريم وابن أخ كريم"، قال: "فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: لا تثريب عليكم اليوم, اذهبوا فأنتم الطلقاء"، وفي اليوم التالي لفتحه مكة ألقى النبي محمد صلى الله عليه وسلم خطبة عظيمة بين فيها بعض معالم الدين وبايع الرجال والنساء من أهل مكة على السمع والطاعة، وأقام بها 19 يوما رتب فيها شؤون الإدارة.