قرر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام فرض غرامة قدرها 200 ألف جنيه على كل القنوات الفضائية و100 ألف جنيه على الإذاعات في حالة بث لفظ مُسيء سواء جاء اللفظ خلال برنامج أو ضمن محتوى أحد الأعمال الدرامية أو الإعلانية. ويشمل القرار سحب ترخيص الوسيلة الإعلامية إذا تكرر البث خلال 6 أشهر، ويكون على هذه الوسيلة إعادة إجراءات الترخيص من جديد. وقرر المجلس بدء تنفيذ هذه الغرامات اعتبارا من 15 يونيو المقبل، على أن تنفق المبالغ المتحصلة من الغرامات على الإبداع الفنى، ويحصل كل مواطن قدم تسجيلا بالألفاظ البذيئة على 10% من مبلغ الغرامة. هذه القرارات تطرح تساؤلا حول طبيعة دور المجلس الأعلى للإعلام ومدى صلاحياته في الرقابة على الأعمال الفنية الدرامية، فى ضوء وجود جهاز الرقابة على المصنفات الفنية التابع لوزارة الثقافة الذي يتولى هذا الدور، فهل يصبح المجلس جهازا موازيا آخر للرقابة على الإبداع بمصر؟. لاقت هذه القرارات ترحيبا كبيرا من رئيس لجنة الإعلام والثقافة بمجلس النواب أسامة هيكل، الذى ذكر فى تصريحات صحفية أن الحفاظ على الأخلاق المصرية ضرورة لا مجال للتهاون بها وعلى الجميع الالتزام فالانفلات ليس فى صالح أحد، وقال: "لازم نحترم نفسنا شوية دى بيوت فيها أطفال وده ليس تقييد لحرية التعبير ولو فى حد شايف غير كدة يبقى احنا فاهمين حرية التعبير غلط". وأكد أن هناك عددا من الدول العربية رفضت شراء أعمال درامية ومسلسلات نتيجة زيادة حدة الألفاظ والمشاهد المسيئة بها وهو ما يجعلها غير متناسبة مع شهر رمضان الكريم أو الحفاظ على الأخلاق المصرية. الناقدة ماجدة خير الله، قالت ل"البديل" إن جهاز الرقابة على المصنفات الفنية التابع لوزارة الثقافة هو الجهاز الوحيد المنوط به الرقابة على الأعمال الفنية والإبداعية، وله وضع قانونى مستقر منذ نشأة صناعة السينما بمصر، وهو جهاز قديم موجود منذ الاستعمار وكان تابعا آنذاك لوزارة الداخلية ثم أصبح تابعا للثقافة. وأضافت: رغم أن الرقابة جهاز سيئ وضد حرية الإبداع والفن فإن صناع الدراما والسينما أصبحوا قادرين على التفاهم معه في ضوء المعايير الفنية الواضحة للجهاز، وبناء عليها يتم قراءة العمل الفني وهو ورق سيناريو قبل إنتاجه ثم بعد تصويره، ثم تقرر لجنة المشاهدة بالجهاز ما إذا كانت موافقة على عرض العمل الدرامي أو السينمائى من عدمه. وأوضحت أن جهاز الرقابة نجح هذا العام فى وضع لافتة التصنيف العمري للمسلسلات، وهو اتجاه تتبعه كل الدول المحترمة بالعالم، وبالمناسبة التصنيف العمري لا يعني أن هذه المسلسلات تحتوى على مشاهد "جنسية" فقط، ولكن التصنيف يتعلق أيضا بمشاهد بها دماء وعنف وقتل أو تحوي مضمونا فكريا لا يناسب عمر الطفل. وأكدت أنها لا تفهم ما علاقة المجلس الأعلى للإعلام بالأعمال الفنية خاصة في ظل عدم إعلان معايير مما يجعله يتحول إلى هيئة رقابية لاحقة على جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، أي أن العمل الفني أصبح يحاكم مرتين. وأعربت خير الله عن اندهاشها من الطريقة التى يتعامل بها المجلس الأعلى للإعلام مع الأعمال الدرامية، حيث يحاكمها بمعايير أخلاقية شخصية لا تمت بأى صلة للنقد الفني، ويصدر هذه الأحكام مجموعة من الموظفين الدولة لا يعرفون شيئا عن الفن وغير مؤهلين لنقد العمل الإبداعي، وقالت: . وأكدت أن فرض غرامة أو سحب ترخيص القناة، وحذف المشاهد التي تحوي لفظا مسيئا على حسب وصف المجلس، ما هو إلا شكل حديث لهيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وقالت: ما الذى تركناه للإخوان إذا!، مؤكدة أن الحرب ضد الإرهاب ليست بالمسدس فقط، وأن ما يحدث من الأعلى للإعلام بمثابة إرهاب فكري لصناع الدراما والفن وهذا غير مقبول. لو نفذنا ملاحظات الأعلى للإعلام حول ظهور ممثل يدخن سيجارة، أو مشهد لعلاقة عاطفية بين حبيبين، أو راقصة أو شخصية فتاة ليل، لكان علينا إذن حذف جميع مشاهد تحية كاريوكا وسامية جمال، ومنع أفلام كبداية ونهاية أو القاهرة 30 أو اللص والكلاب، بل ربما يعتبر المجلس الأعلى عروض فن الباليه خطيئة، وتخدش الحياء! من جانبه، يرى صفوت العالم، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، أن قرار المجلس الأعلى للإعلام غير مدروس ويفتقر لرؤية علمية صحيحة عن دور المجلس، موضحا أن الدراما ليست عبارة عن لفظ مسيء إنما الدراما صورة وحركة وإيماءة وإيحاء وبناء درامي للشخصيات، والمشهد الدرامي قد يخلو من لفظ خارج ولكن يضم مجموعة من القيم الهابطة التي تضر المجتمع وتهدد سلامه، فكيف إذن سيتعامل معها المجلس؟ وكيف سيتعامل مع الإعلانات التجارية؟ وأضاف العالم، أن المجلس يحتاج أولا لتكوين لجنة رصد إعلامي من الخبراء والمتخصصين في الدراما والإعلام، وتعلن هذه اللجنة معايير واضحة كميثاق للعمل الدرامي، تقدم أسبوعيا تحليلا للمسلسلات والإعلانات عبر تقرير وبناء عليه يتم توقيع الغرامة على المتجاوزين، ولكن أن يطلب المجلس من المواطنين الإبلاغ عن المشاهد التى تحمل ألفاظا مسيئة فهذا عبث واستخفاف بعقولنا. محمودكامل، رئيس اللجنة الثقافية بنقابة الصحفيين، قال ل"البديل"،إنه ليس من دور المجلس الأعلى للإعلام التقييم الفني للأعمال الدرامية، خاصة أن هذه الأعمال تم مشاهدتها من جانب جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، بل تم الموافقة عليها للعرض على القنوات الفضائية فىي رمضان، ومن ثم قرار المجلس بتوقيع غرامة على القنوات التى تذيع أعمالا تحوي مشاهد بها ألفاظ مسيئة مثلا أو سحب تراخيصها هو افتئات على دور جهاز الرقابة التابع لوزارة الثقافة. وأكد كامل دهشته من تحويل المجلس الأعلى للمواطنين إلى مجموعة مخبرين مهمتهم الإبلاغ عن الألفاظ البذيئة بالأعمال الفنية والحصول على مقابل مادي من قيمة الغرامة، معربا عن رفضه الوصاية التي يفرضها المجلس على المبدعين، ومعاقبتهم على أفكارهم على طريقة الغرامة أو الحذف. يذكر أن قانون قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام رقم 92/2016، جاءت بنوده ومواده مبهمة، ونصت مادته الرابعة على "وضع وتطبيق القواعد والمعايير المهنية الضابطة للأداء الصحفي والإعلامي والإعلاني بالتنسيق مع النقابة المعنية".