منذ أيام، شرعت قوات سوريا الديمقراطية أخيراً في دخول مدينة الرقة بعد سيطرتها على أغلب المحافظة، ومساء الجمعة، خرج وفد من "ديوان العشائر" التابع لتنظيم داعش من المدينة متوجهاً نحو بلدة عين عيسى في ريف تل أبيض المجاورة؛ للتفاوض مع مسؤولين في حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وعرْض تسليم المدينة له دون قتال مقابل إتاحة خروج داعش منها نحو دير الزور، أو نحو الظهير الصحراوي لمحافظة ريف دمشق، حيث بقايا من قوات التنظيم منتشرة في خلاء قفر ومنحصرة بين قوات الجيش السوري وحلفائه من ناحية وقوات الفصائل المصنوعة أمريكياً وأردنياً من جانب آخر. أمس السبت، دخلت قوات سوريا الديمقراطية المدينة من مدخلها الشمالي الغربي وأحرزت تقدماً مكّنها من السيطرة على أجزاء من حي الرومانية دون أن تسيطر عليه بالكامل، في ظل غارات جوية للتحالف الأمريكي ضد داعش، أسفرت عن مقتل أعداد كبيرة من المدنيين، واستُخدمت فيها قنابل الفسفور الأبيض ذات الأثر التدميري الهائل، ومع ما تقوم به داعش من تفاوض وصل إلى المدينة الرقة خلال الأسبوع الماضي نحو 300 مسلح من ما يسمى "جيش العسرة" في تنظيم داعش لتعزيز صفوف التنظيم، في خطوة يبدو أنها ستستخدم كورقة قوة وضغط خلال التفاوض مع قوات سوريا الديمقراطية، فالجيش المذكور يضم عناصر مميزة خبيرة للنخبة العسكرية لداعش ومتمرّسة في حرب المدن، مع أنباء من داخل التنظيم حول تعيين قائد داعشي جديد للمعركة يُرجَح أنه شيشاني الجنسية. تستمد محافظة الرقة أهميتها ليس فقط من وقوعها على الحدود السورية التركية، لكن أيضاً من تشكيلتها السكانية التي تجمع العرب والأكراد، وباستيلاء داعش على المحافظة اتخذها كمقر رئيسي له واستخدمها – بالإضافة إلى ما كان يسيطر عليه من قطاعات بريف حلب الشمالي – كمعبر لنقل النفط إلى تركيا لبيعه، قبل انقلاب النظام التركي على داعش ومواجهته، عملت الرقة كمركز إداري عام للتنظيم يقع في مأمن جغرافي بعيدا عن قطاعات سيطرة الدولة السورية، ويجاور المرتكز الكردي في محافظة الحسكة، وفيها رأي العالم النموذج الداعشي في "الحكم" الذي لم يكن سوى ردة حضارية كاملة لمئات السنين إلى الخلف. تشكّلت ما تعرف باسم "قوات سوريا الديمقراطية" بأيدي أمريكية وشملت مكوّناتها سوريين من الأكراد والعرب بقيادة كردية، ونشأت وتم تسليحها أمريكياً على وجه الخصوص لمحاربة داعش، منذ أشهر وبتوالي مراحل الحرب السورية، جاءت تصريحات أمريكية بخصوص الرقة تحديداً تعلن أنه سيتم "تسليمها" بعد طرد داعش منها إلى "مجالس محلية" سكانية من أهلها، بالإضافة إلى تصريح أمريكي آخر ذهب إلى أن الرقة سيحكمها "العرب السنّة" بعد خروج داعش ووُصف هؤلاء أمريكياً بأنهم معتدلون ورافضون لكلا من الإرهاب والدولة السورية. خلال أشهر من القتال بين قوات سوريا الديمقراطية وداعش في الرقة، أجمع الكثير من المراقبين والمحللين العسكريين على أنه ثمة تباطؤ في عملية طرد الأخيرة من المحافظة من قِبل قوات سوريا الديمقراطية، نظرة سريعة على انجاز الجيش السوري في مواجهة داعش في نفس الفترة الزمنية، ستكشف أن تلك القوات المُسلحة أمريكياً استغرقت نحو ثلاثة أشهر لطرد داعش من مساحة طرد الجيش السوري التنظيم من مساحة أكبر منها في أقل من شهر، مؤشر إضافي مكمّل للتلكؤ الكردي كان سماح تلك القوات لرتل داعشي بالفرار من محيط سيطرتها الآخذ في تضييق الخناق على الرقة نحو تدمر، التي يتخذ الجيش السوري منها مرتكزاً عسكرياً فائق الأهمية في الصحراء السورية، ونجح الطيران الحربي الروسي في كشف الموقف وتدمير الرتل مع اتضاح أن خروج الرتل حدث عملياً بتنسيق مع قوات سوريا الديمقراطية. كانت مجهودات المرحلة الأولى من عملية الفجر الكبرى التي أطلقها الجيش السوري قد نجحت في تحرير آلاف الكيلومترات من الصحراء السوري وطرد داعش منها، الأمر الذي كفل انسحاب الأخيرة من أغلب المحيط الشرقي القريب لحمص وهروبها نحو الصحراء، فضلاً عن إخراجها من كامل ريف حلب الشرقي في انطلاقة جعلت الجيش السوري على أبواب الرقة أيضاً في محاولة منه لتثبيت نقطة تمركز في الريف الغربي الجنوبي للمحافظة، وتكشف التحولات في مناطق ومساحات السيطرة في الآونة الأخيرة عن واقع جديد يتشكل غالباً ما ستكون السيطرة فيه على الرقة لقوى مدعومة أمريكياً بعد خروج داعش منها نحو دير الزور، إلى جانب وضع الجيش السوري في اعتباره الأهمية الجوهرية لتحرير كامل محافظة دير الزور كخيار سيؤدي إلى انهيار كامل وأخير لداعش، إذا ما ضفنا إليه سيطرة الحشد الشعبي العراقي على الظهير العراقي للمحافظة.