رغم انتهاء زيارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة دون الإعلان عن نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، إلا أن موضوع نقل السفارة لا يزال يثير ضجة داخل الأجواء الصهيونية التي أصيبت بإحباط كبير وخيبة أمل بعد إرجاء ترامب نقل السفارة، ليأتي مجلس الشيوخ الأمريكي ويُعيد بعضًا من الآمال المفقودة لدى الاحتلال. تبنى مجلس الشيوخ الأمريكي، أمس الاثنين، قرارًا بأغلبية 90 صوتًا من أصل 100، يدعو إلى نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، وتسوية الصراع العربي الإسرائيلي على أساس حل الدولتين، وأكدت الوثيقة أن "السياسة الأمريكية القديمة التي انتهجها الحزبان الديمقراطي والجمهوري إزاء الوضع النهائي للقدس، أبقته مسألة يتعين على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي حلها عن طريق الحوار، في إطار الاتفاق على وجود دولتين"، ودعت الوثيقة الرئيس ترامب وجميع المسؤولين الأمريكيين إلى الالتزام بقانون عام 1995 الذي حث الرئيس الأمريكي آنذاك، بيل كلينتون، على نقل السفارة إلى القدس. ورغم أن قرار مجلس الشيوخ الأمريكي ليس إلزاميًا، ولن يغير شيئًا من الأوضاع على الأرض، إلا أنه يعكس موقف أعلى مؤسسة دستورية في الولاياتالمتحدة من موضوع نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وهو ما أكده زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، والراعي الرئيسي للقرار، حيث زعم أن "هذه الدعوة ستقدم دليلًا لحلفائنا وأصدقائنا في إسرائيل على التزام الولاياتالمتحدة بالوقوف إلى جانبهم، في الوقت الذي نعلم فيه أن إسرائيل ما زالت تواجه عددًا من التهديدات". القرار الأمريكي يعطي بصيص أمل للاحتلال الذي أصابته حالة من الإحباط بعدما سار ترامب على خطى رؤساء أمريكا السابقين؛ بتأجيل قرار نقل السفارة إلى القدس، فعام 1995، صدّق الكونجرس الأمريكي على قرار يسمح بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، إلا أن وضع القدس المتنازع عليه، دفع الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين إلى توقيع وثائق كل ستة أشهر، تقضي بتأجيل تنفيذ القرار، وهو الأمر الذي فعله ترامب بعد زيارته إلى الأراضي المحتلة الشهر الماضي. وقررت الولاياتالمتحدة، مطلع يونيو الجاري، تأجيل نقل سفارتها في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، حيث وقع الرئيس الأمريكي على التأجيل، وأوضح البيت الأبيض أن القرار يستهدف تعظيم فرص التفاوض على اتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. أثار القرار حينها حالة من الاستياء والإحباط الإسرائيلي سواء على المستوى السياسي أو الشعبي؛ حيث عقد المجتمع الصهيوني الآمال على وعود ترامب الانتخابية التي أكدت العمل على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس عقب دخوله البيت الأبيض، لكنها انهارت سريعا، حيث أعرب حينها رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتانياهو، عن خيبة أمله، وقال في بيان نشره مكتبه "رغم خيبة الأمل من عدم نقل السفارة في هذه المرحلة، فإن إسرائيل تثمن التصريحات الودّية التي أدلى بها الرئيس ترامب والتزامه بنقل السفارة في المستقبل"، وتابع نتنياهو أن "موقف إسرائيل الدائم هو أن السفارة الأمريكية وسفارات جميع الدول التي لنا معها علاقات دبلوماسية، يجب أن تكون في القدس، عاصمتنا الأبدية"، وأضاف أن "الإبقاء على السفارات خارج العاصمة يبعد السلام أكثر عنا لأنه يساهم في إحياء الأوهام الفلسطينية، كأن الشعب اليهودي ودولته ليست لهما أي علاقة بالقدس". وشنَّ وزير التعليم الإسرائيلي، نفتالي بينيت، رئيس حزب البيت اليهودي، الذي يأخذ على عاتقه مسألة نقل السفارة وترسيخ الاحتلال الإسرائيلي بشتى صوره، هجومًا على قرار الإرجاء، حيث قال "لا يوجد سلام يقوم على تقسيم القدس"، وأضاف الوزير المتشدد "إرجاء نقل السفارة يضع عراقيل أمام فرص السلام الحقيقية، لأنه يعزز من آمال الفلسطينيين الواهية بشأن تقسيم القدس، وهو أمر لن يحدث.. الاعتراف الكامل بالقدس الموحدة كعاصمة لإسرائيل هو وحده ما سيضع حدًا للوهم ويمهد الأرض أمام فرص السلام الحقيقي مع جيراننا". قرار تأجيل نقل السفارة أرجعه العديد من المحللين حينها إلى محاولات ترامب الحفاظ على مصالح الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط، خاصة أن زيارته إلى الأراضي المحتلة جاءت بعد زيارة مماثلة إلى السعودية وتوقيعه على عقود استثمارية ضخمة بمليارات، كما أن نقل السفارة الأمريكية للقدس من شأنه أن يعرقل استمرار الاستثمارات العربية مع الجانب الأمريكي، ما يعني أن الولاياتالمتحدة تدرك أهمية تأجيل القرار، الأمر الذي يشير إلى وجود صفقة عربية أمريكية لمنح واشنطن وتل أبيب المزيد من المصالح والنفوذ مقابل تأجيل نقل السفارة، لكن العديد من المراقبين يرون أنه بمجرد انتهاء المصالح العربية الأمريكية وخاصة الخليجية منها، فإن قرار نقل السفارة سيكون الأول على طاولة ترامب.