باتت العلاقات الألمانية التركية قاب قوسين أو أدنى من دخولها مرحلة العدائية، وذلك بعد أن فشلت المحاولة الأخيرة التي قادها وزير الخارجية الألماني، زيجمار جابريل، أثناء زيارته لتركيا اليوم الاثنين، لتقريب وجهات النظر بين بلاده والسلطات في أنقرة، الأمر الذي يهدد من جديد العلاقات التركية الأوروبية التي تشهد توترات منذ فترة. وصل وزير الخارجية الألماني إلى تركيا اليوم، في محاولة لتجاوز الأزمة بين البلدين، حيث التقى "جابريل" مع نظيره التركي، مولود جاويش أوغلو، في أنقرة، وبعد محادثات ومحاولات لتسوية الخلافات، خرج وزير الخارجية الألماني ليعلن فشل محاولته الأخيرة مع تركيا حول حظرها لزيارة نواب من البرلمان الألماني للقوات الألمانية في قاعدة "إنجرليك" الجوية التركية، حيث قال "جابريل": تركيا لن تمنح نوابًا من البرلمان الألماني حقًّا مبدئيًّا لزيارة الجنود الألمان في قاعدة إنجرليك. يبدو أن النية التركية لإفشال المحادثات مع ألمانيا كانت مبيتة قبل وصول جابريل إلى أنقرة، حيث استبق أوغلو زيارة وزير الخارجية الألماني لبلاده بالقول: إنه لا يمكن في الوقت الراهن السماح لنواب بالبرلمان الألماني زيارة جنود يتمركزون في قاعدة إنجرليك الجوية التركية. لكنه أوضح أن أنقرة قد تعيد النظر في الأمر إذا لمست خطوات إيجابية من برلين، وأضاف الوزير قبل أيام من الزيارة: نرى أن ألمانيا تدعم كل شيء يعارض تركيا، وفي ظل هذه الظروف لا يمكننا فتح إنجرليك لمشرعين ألمان في الوقت الراهن. إذا اتخذوا خطوات إيجابية في المستقبل، فبوسعنا إعادة النظر. هذه التصريحات أحبطت الآمال الأخيرة لدى الألمان والأتراك في تجاوز خلافاتهما التي استفحلت خلال الفترة الأخيرة، وبالتحديد منذ محاولات الانقلاب التركي الفاشل الذي وقع في منتصف يوليو الماضي، حيث انتقدت برلين مرارًا ممارسات السلطات التركية القمعية، خاصة عمليات الاعتقال العشوائية وحملات المداهمات التي شنتها القوات التركية على المعارضة في البلاد بتهم التورط في محاولة الانقلاب، الأمر الذي أدى إلى تصعيد اللهجة التركية في مهاجمة ألمانيا، لتتوتر العلاقات أكثر بعد تبني البرلمان الألماني قرارًا يصنف مجازر الأرمن قبل مائة عام بأنها "إبادة جماعية"، إلى أن جاء الاستفتاء التركي الأخير على تعديل الدستور، والذي تم إجراؤه في إبريل الماضي، حيث عمدت ألمانيا إلى منع التجمعات التركية المؤيدة للاستفتاء، الأمر الذي أثار حفيظة أنقرة، ووصفت السلطات الألمانية بالنازية، واتهمتها بإيواء بعض المتورطين في الانقلاب. قاعدة إنجرليك التابعة لحلف شمال الأطلسي "الناتو" كانت القشة التي قصمت العلاقات الألمانية التركية، بعد رفض أنقرة زيارة وفد لجنة الدفاع بالبرلمان الألماني لجنود الجيش الألماني المتمركزين في القاعدة، وبررت السلطات التركية موقفها بمنح الحكومة الألمانية حق اللجوء لجنود أتراك سابقين، تتهمهم أنقرة بالتورط في محاولة الانقلاب العسكري، وحينها هددت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، بسحب القوات الألمانية من القاعدة الموجودة في تركيا ونقلهم إلى موقع بديل، وقد طرحت المستشارة الألمانية اسم الأردن كبديل لتركيا. الفشل الدبلوماسي الألماني الأخير، والتعنت التركي في التعامل مع ألمانيا، قد يجعلان التهديد الألماني بسحب القوات الألمانية من قاعدة إنجرليك أقرب إلى التحقيق، حيث كانت الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، الشريك في الائتلاف الحاكم، قد خططت منذ أسابيع لاتخاذ قرار عاجل بشأن سحب القوات الألمانية من إنجرليك، إلا أن الحزب تحدث مع "ميركل" بشأن قيام وزير الخارجية الألماني "زيجمار جابريل" المنتمي للاشتراكيين الديمقراطيين بمحاولة أخيرة للتوصل لتسوية الخلاف مع أنقرة. بعد فشل التسوية رجحت بعض المصادر السياسية أن تتخذ برلين قرارًا نهائيًّا بنقل جنودها ومعداتها العسكرية من تركيا خلال منتصف يونيو الجاري، خاصة في ظل مؤشرات توضح أن ألمانيا بدأت بالفعل في بحث أمر نقل جنودها من القاعدة محل الخلاف مع تركيا، حيث كانت ألمانيا قد أرسلت فرقة استطلاع إلى المملكة الأردنية لاستكشاف إمكانيات نقل القوات الألمانية إليها، وبعدها بساعات زارت وزيرة الدفاع الألمانية، أورزولا فون دير، قاعدة "موفق السلطي" بمنطقة الأزرق في الأردن، وذكر بيان صدر لوزارة الدفاع الألمانية أن الانطباع الأولي للوزيرة كان إيجابيًّا، إلا أن الوزيرة أكدت أن التكاليف التنظيمية ستكون بالتأكيد كبيرة جدًّا.