بعد وقت قصير من فتح وسائل الإعلام الإماراتية والسعودية النار على قطر، أصبحت جاراتهم الخليجية تقع في الخراب وغير قادرة على استضافة أي شخص أو أي شيء، ناهيك عن كأس العالم. على الأقل، هذا ما كانوا يتصورون أو يتمنون حدوثه بشغف – لكنه لم يحدث. تسارعت المزاعم ضد قطر بشكل جنوني وتضمنت أن قطر مولت جميع الإرهابيين، ولا يمكن السماح لها بتخريب المنطقة ويجب على قطر أن تنضم مع جيرانها ضد إيران. وأخيرا، تم تذكير أمير قطر بمصير محمد مرسي في مصر. ولم يكن التهديد بالإطاحة برئيس دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي من شخص مجهول الهوية، بل قام به الرجل الذي مهمته تمثيل المصالح السعودية في الولاياتالمتحدة. هذا الرجل هو سلمان الأنصاري، رئيس لجنة شؤون العلاقات العامة السعودية الأمريكية " الذي كتب: "إلى أمير قطر، فيما يتعلق بانحيازكم إلى حكومة إيران المتطرفة وإساءتكم لخادم الحرمين الشريفين، أود تذكيركم بأن محمد مرسي فعل نفس الشيء وتم إسقاطه وسجنه". ومثل هذه التهديدات هي ما تتصدر النشرات الأولى في الإعلام السعودي الآن. من المثير للاهتمام أن يحدث ذلك ضد حليف أرسل قوات لحماية الحدود الجنوبية السعودية مع اليمن أو ضد حكومة قامت بتسليم معارض سياسي إلى السعودية في نفس اليوم الذي تعرضت فيه للهجوم لأنها مؤيدة لإيران. ومن المثير للاهتمام أيضا، أن كل هذا حدث بعد زيارة الملك سلمان لقطر ورقصه مع أميرها. ولكن ربما لم يعد الملك على علم بما يفعله ابنه البالغ من العمر 31 عاما باسمه. لكن لماذا كل هذا الهجوم، ولماذا الآن؟ منذ وقت طويل معروف دعم قطر للمنفيين السياسيين من مصر سواء علمانيين أو إسلاميين. وقد استضافت قطر الزعيم السياسي السابق لحركة حماس منذ مغادرته دمشق. وقناة الجزيرة هي أيضا معروفة، رغم أنها أصبحت بسبب الضغوط التي تمارس عليها – مثل التي تتعرض لها الآن – ظل باهت لتلك الشبكة التي غطت ذات يوم أحداث الربيع العربي. وكانت تغطية الجزيرة لزيارة دونالد ترامب إلى الرياض مليئة بالمجاملة، وكذلك تغطيتها للحرب في اليمن. وهذا تم بعناية لتجنب إزعاج السعوديين. طالما الأمر كذلك، ماذا بالتحديد الشيء الذي أثار عش الدبابير؟.. هناك العديد من الدوافع المحتملة. الدافع الأول .. إتمام المهمة: يتمثل الدافع الأول في أن كل من محمد بن سلمان، نائب ولي العهد السعودي، ومحمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، ينظران إلى ترامب باعتباره فرصة لإتمام المهمة التي بدأت في يونيو 2013 عندما أطيح بمحمد مرسي في مصر. ورغم ذلك، فالثورة المضادة على انتفاضات الربيع العربي لم تسر على ما يرام، فمصر لم تستقر رغم مليارات الدولارات التي أرسلت إليها. وفي ليبيا، تتنافس ثلاث حكومات مختلفة على السلطة، ولا يزال مقاتلي حركة أنصار الله في اليمن يسيطرون على العاصمة صنعاء. كما أن التحالف بين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد والسيسي لا ينعم بالاستقرار. هؤلاء الرجال يمكن أن يقعوا في الخلافات بسهولة مع بعضهم البعض مرة أخرى، كما حدث عندما ثار غضب المصريين بعد تنازل حكومتهم عن جزيرتي تيران وصنافير إلى الرياض. لكن هذا التحالف بين هؤلاء الرجال الثلاثة مستقر بما فيه الكفاية لتوحيدهم في مهمة مشتركة، وهي سحق جميع الدول العربية التي تعارضهم. الدافع الثاني.. شراء التأمين: الدافع الثاني هو دافع شخصي. فمن خلال شن هجوم على قطر، هم يهدفون ليس فقط لإسكات المعارضة الخارجية، ولكن القوى الداخلية أيضا. في حالة ابن سلمان، إسكات المعارضة داخل الأسرة المالكة هي خطوة حاسمة يجب أن يقوم بها قبل أن يتمكن من الإطاحة بابن عمه الأكبر سنا محمد بن نايف، في ولاية العهد. من خلال ربط أنفسهم بشكل وثيق مع ترامب، يعتقد ابن سلمان وابن زايد بأنهما قد تملكا بوليصة تأمين. لكن ذلك يعتمد على عما إذا كان ترامب سيكمل فترته الرئاسية كاملة أم لا، حيث لا يرى كثيرون في واشنطن أن ذلك مؤكدا. تركيا أيضا لا تزال موجودة كقوة إقليمية منافسة على الرغم من أنها لفترة من الوقت العام الماضي بدت كما لو أنها لم تعد كذلك. وقد هللت نفس وسائل الإعلام السعودية والإماراتية التي تهاجم قطر الآن عندما بدا وكأن أردوغان أطيح به في الانقلاب العسكري. لذلك سيكون من المنطقي أن نفترض أن هذا هو حافزهم الآن للرغبة في رؤية أمير قطر يطاح به، حيث أنه هو الرجل الذي مول الثورات الشعبية التي لا تزال السعودية والإمارات يعملان ضدها. الدافع الثالث.. إنهاء وجود: الدافع الثالث للهجوم على قطر يذهب أبعد من ذلك. قد يرغبون فعلا في رؤية قطر نفسها تختفي كدولة مستقلة. يبدو هذا خياليا في القرن الذي نعيش فيه، لاسيما أن قطر هي مقر القاعدة الأمامية للقيادة المركزية الأمريكية. وربما هذا يفسر سبب قيام دولة الإمارات بحملة قوية في واشنطن لنقل القاعدة الأمريكية من قطر. ولكن الفكرة وراء هذه الحملة قد لا يكون لها علاقة بالأحداث الجارية في هذا القرن بل الأحداث ترجع إلى أكثر من مائة عام مضى. وقد قام بعض المغردين المقربين من السلطات في الرياض بالتذكير بدور البريطانيين في اختيار عائلة آل ثاني ليكونوا حكاما مختارين لهذا الجزء من شبه الجزيرة العربية. وبدون أي سخرية مقصودة، فإنهم يعزوون مشاكل قطر الحالية إلى الاتفاقية التي عقدها محمد آل ثاني مع البريطانيين في عام 1868، والتي مهدت الطريق للعائلة لفرض سلطتها السياسية على القبائل الأخرى. التاريخ والارتدادات: إن استدعاء هذه الأشياء من التاريخ يعد أمرا خطيرا لأي عضو يفكر في العائلة المالكة السعودية. فعلى سبيل المثال، أين سيكون آل سعود لولا تأييد الإمبراطورية البريطانية لهم؟! ففي الطابق الذي يعلو المكان الذي رقص فيه ترامب بالسيف في متحف الملك عبد العزيز يوجد معرضا للصور تظهر فيه صور امرأة بريطانية مع الملك مؤسس المملكة نفسه. تلك المرأة هي جيرترود بيل، عالمة الآثار والموظفة السياسية الموهوبة في حكومة الإمبراطورية البريطانية. لعبت بيل دورا رئيسيا في تأسيس دولة بلاد ما بين النهرين، العراق الآن، وكذلك في اختيار الزعماء القبليين التي ستدعمهم بريطانيا في شبه الجزيرة العربية. سافرت بيل إلى حائل، مقر قبيلة آل رشيد المنافسة، وكانت على دراية بالهاشميين في غرب الجزيرة العربية. وخلصت إلى أن ابن سعود، الذي كان يبلغ من العمر حين ذاك 40 عاما، هو الرهان الأفضل وأوصت به للحكومة البريطانية. أما بالنسبة لتوزيع الثروة النفطية، فإن السعودية لا تظهر بشكل أفضل في المقارنة. قطر لديها أعلى دخل للفرد في العالم، ثلاث أضعاف السعودية. في قطر، هناك شيء قريب من التوظيف الكامل، في حين معدل البطالة الرسمي في السعودية وصل 12%. لذلك فإن إرسال مثل هذه التهم ضد أحد الجيران يمكن أن تعود كضربات مرتدة لتسلط الضوء على أسوأ ممارسات آل سعود. مملكة بوجهين: لا تزال المملكة السعودية الحديثة لم تتغلب على إدمانها على النساء الأجنبيات. إذا كان الملك عبد العزيز قد احتاج إلى توصية جيرترود بيل، فيبدو أن حفيده يحتاج إلى توصية وإشادة امرأة أجنبية أخرى، وهي إيفانكا ترامب. حصلت صحيفة الرياض السعودية، إحدى أدوات ابن سلمان في حربه الإعلامية الحالية، على مقابلة حصرية مع إيفانكا، وكانوا مهتمين فيها بسؤال رئيسي واحد وهو: ما هو رأيها في ابن سلمان؟ ووصفت ايفانكا نائب ولي العهد بأنه "نموذجا فعالا للشباب السعودي والعربي والإسلامي لما فيه من شخصية قيادية وطموحة ومحب لشعبه وبلده". وبطبيعة الحال، لا ابن سلمان، ولا إيفانكا من نفس عيار أسلافهما، عبد العزيز أو جيرترود بيل. ولكن هناك شيء مشترك في الحالتين رغم مرور قرن من الزمان: ألا وهو "حاجة الحاكم للحصول على موافقة وتأييد أجنبي". ورغم ذلك، هذه النظرة السعودية لا تنطبق على النساء عموما، فبينما كانت إيفانكا في مرحلة الصدارة، تظل النساء السعوديات في الظل. فالمملكة السعودية لديها وجهان، وجه للجمهور الغربي، وآخر للمحلي. لا يزال ابن سلمان وابن زايد عالقان بقوة في الحقبة الاستعمارية يدفعان من أجل الحماية، ويستنزفان موارد المنطقة. وإن كان بإمكانهما التآمر لإسقاط هذا أو ذاك، ولکن لا يستطيعان الحكم أو إرساء الاستقرار، حيث ليس لديهما رؤية للمنطقة لأنه لديهما عيون لا ترى سوى أنفسهم. المصدر