تمثل مدينة عدن وضعية خاصة بين المدن اليمنية، ففيها تلتقي تارة، وتتضارب تارة أخرى مصالح اقتصادية وسياسية لدول عربية شاركت في العدوان على اليمن تحت ما يسمى بدعم الشرعية. إلى عدن عادت حكومة الرئيس اليمني المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي برئاسة أحمد عبيد بن دغر، منذ أيام، لكن العودة وحدها لا تكفي، فثمة ما ينتظر الحكومة من تحديات لعل أبرزها الحراك الانفصالي في عدن، والوضع الأمني الذي يزيد من تأزمه وجود تشكيلات مسلحة خارجة عن نطاق سيطرة حكومة بن دغر مثل الحزام الأمني الذي تموله وتدربه وتوجهه دوله الإمارات المشاركة بقواتها في العدوان على اليمن. حكومة بن دغر غالبًا ما تزاول نشاطاتها من الرياض وهو الأمر الذي يضعها قيد الانتقادات على المستوى المحلي وحتى على مستوى صناع القرار السعودي، ففي نهاية العام الماضي طلبت السعودية من حكومة دغر مغادرة الرياض والعمل من عدن، ويوم الجمعة الماضي عاد بن دغر وعدد من الوزراء ومحافظ عدن ومحافظ البنك المركزي اليمني ونواب الوزراء إلى العاصمة المؤقتة عدن. بن دغر وأزمات عدن عادت حكومة بن دغر إلى العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، لإدارة المناطق التي تسيطر عليها في ظل تحديات أمنية واقتصادية وسياسية، لا سيما في محافظاتجنوب البلاد ومن بينها عدن، عودة الحكومة والمحافظ عبد العزيز المفلحي، تأتي وعدن تشهد الكثير من التحديات والتعقيدات، خاصة بعد إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من حكومة أبو ظبي، والذي عبرت حكومة بن دغر عن رفضه بشكل قاطع. التحدي الاقتصادي والمعيشي والخدمي واحد من أوجه التحديات في وجه حكومة هادي، وفي محاولة منها لتقليل خسائرها ورسم صورة تحسن من مظهرها كحكومة ظل للرياض في الوقت الذي لا تستطيع فيه مجابهة السطوة الإماراتية على القرار اليمني، قامت حكومة هادي بعد وصولها إلى عدن بافتتاح محطة الطاقة الكهربائية التي مولتها قطر، وقد وعد رئيس الحكومة بأن تقوم خلال الأسبوعين القادمين بتزويد المدينة بمولدات كهربائية. التحدي الأكبر الذي يواجه حكومة بن دغر هو الوضع الأمني الصعب مع وجود تشكيلات مسلحة أبرزها "الحزام الأمني" الذي يبلغ قوامه أكثر من 10 آلاف مسلح، برئاسة الوزير المقال، هاني بن بريك. والجدير بالذكر، أنه بعد إعلان المجلس الانتقالي في عدن خطواته الانفصالية، أيد بن بريك ومدير أمن عدن الخطوة الانفصالية، وتم تشكيل المجلس الانتقالي في عدن يوم 11 من الشهر الحالي، حيث أعلن عيدروس الزبيدي رجل الإمارات في اليمن، تشكيل المجلس السياسي الانتقالي الجنوبي (تهيئة لانفصال الجنوب عن اليمن) مكون من 26 اسمًا هم رجال الإمارات في البلد. جاء إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي بعد 15 يومًا من إقالة الرئيس اليمني المنتهية ولايته لعيدروس الزبيدي والسلفي هاني بن بريك وهما من أهم الشخصيات الأمنية والسياسية في جنوب اليمن ولديهما شعبية لا بأس بها تنادي بالانفصال بعد أن استطاعت الإمارات العربية إقناعهم بأهمية تجزئة اليمن، وأن يكون لهم قرار سياسي منفرد كونهم يمتلكون الثروات. منظمة هيومن رايتس ووتش تحدثت عن اعتقال العديد من المحتجزين تعسفًا أو إخفائهم قسرًا من قبل قوات الحزام الأمني التي أنشئت في ربيع 2016، ويفترض رسميًا أنها تحت إشراف وزارة الداخلية، لكن على أرض الواقع هي خاضعة للإمارات بحسب ناشطين ومسؤولين حكوميين، وهو ما أكدته رايتس ووتش بالقول إن الحزام الأمني عمل إلى حد كبير خارج سيطرة الحكومة اليمنية. قبل أيام حمّلت لجنة قبلية من شيوخ قبيلة ردفان، قوات الأمن في مدينة عدن مسؤولية ارتكاب ما وصفته بالجريمة البشعة والمنظمة والإعدام المباشر بحق المواطن، قاسم حسين العبدلي، في 23 من الشهر الحالي، وجاءت هذه الحادثة بعد أسبوعين من حادثة أخرى قتلت فيها قوات من الحزام الأمني المواطن اليمني سعيد بهاء الدين شكري بدم بارد. وفي ظل هذا الوضع الأمني المضطرب في عدن، يبقى السؤال مطروحًا حول قدرة حكومة بن دغر على ضبط الأوضاع مع وجود تشكيلات مسلحة تنازعها السيطرة على مقاليد الأمور. خلافات الرياض وأبو ظبي صحيح أن الرياض وعدت القيادات الجنوبية بتحقيق مطالب الانفصال لهم بعد أن تنتهي عاصفة الحزم، الذين قاتلوا معًا حركة أنصار الله وقوات صالح، وتم بناء مقرات سياسية وعسكرية بعلمها هي والإمارات العربية المتحدة ورفعت عليها أعلام الانفصال، إلا أن الإعلان المبكر في ذلك يحرج المملكة العربية السعودية أمام الرأي العالمي والأمم المتحدة التي تؤكد في كل قراراتها أهمية وحدة واستقلال اليمن، وهو أيضًا ما يعني فشل العمليات العسكرية في اليمن والقرارات الدولية المتعلقة في البلاد. ومن جهة أخرى تدعم السعودية هادي، بينما الإمارات تدعم الحراك الجنوبي، والتطورات الأخيرة في عدن سواء أحداث مطار عدن أو الحزام الأمني أو حتى الانفصال، يشي بوجود خلافات سعودية إماراتية حول الملف اليمني، هذه الخلافات قد لا تؤثر على العلاقة الإماراتية السعودية، فترامب وحّدهما عبر ما يسمى القمة الإسلامية الأمريكية التي تؤسس لشراكات أمريكية خليجية أعمق من ذي قبل، كل ما هنالك أن الرياض وأبو ظبي تقامران بأموال النفط في الساحة اليمنية، وكل هذا سيأتي على حساب الشعب اليمني ولا شيء آخر، فالقوات المتناحرة يمنية يمنية، كما أن الرياض وأبو ظبي تسعيان للاعتماد على المرتزقة كالسودان، حتى يقللوا من عدد ضحايا مواطنيهم في هذه الحرب العبثية.