فاجأ رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، الجميع بحملة اعتقالات وضعها تحت عنوان "الحرب على الفساد"، وتمت بموجب قانون الطوارئ، الأمر الذي وضع تونس على مفترق طريقٍ بين الدولة وبارونات الفساد، وقال الشاهد إنّه حسم أمره، ومضى نحو قرار صعب لم يعد يحتمل التأجيل. وضمت قائمة الفساد أسماء من الوزن الثقيل من رجال أعمال وشخصيات نافذة، وعلى لائحة التوقعات جماعات أخرى تتهمها الحكومة التونسية بأدوارٍ تمس الأمن القومي للبلاد بنحوٍ أو بآخر. هذه التطورات تزامنت مع احتجاجات تطاوين، والتي أعلن أصحابها التمسك بمطالبهم وسط تحذيرات لهم من أن تستغل حقوقهم المشروعة في باطل يريد ضرب التجربة التونسية في مقتل. تطورات الوضع الأخيرة قال رئيس الحكومة التونسية "لا توجد خيارات في الحرب على الفساد"، ففي سابقة هي الأولى من نوعها في تونس اعتقل عددٌ من رجال أعمال يشتبه في تورطهم في قضايا فساد. حيث شملت الاعتقالات أسماء كبيرة، مثل شفيق جراية، ونجيب إسماعيل، وياسين الشنوفي، وهو مرشح سابق للانتخابات الرئاسية في 2014، كما تم اعتقال مسؤول في الجمارك، ووضعوا تحت الإقامة الجبرية. وتأتي الاعتقالات التي جرت الثلاثاء الماضي بعد أيام من تصريح عماد الطرابلسي صهر الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي من سجنه بأن كثيرًا من رجال الأعمال ممن عملوا معه، وتورطوا في قضايا فساد في الجمارك، ما زالوا يمارسون نفس النشاط. الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في تونس تقول إن الفساد استشرى بشكل كبير منذ 2011، وإنه يكبد البلاد خسارة كبرى، ويشمل أغلب القطاعات، وإنه بات يهدد بشكل جدي المسار الديمقراطي في البلاد. هذه الأمور دعت الهيئة إلى تقديم أسماء 50 موظفًا كبيرًا في الدولة للقضاء بعد ثبوت تورطهم في ملفات فساد، الأمر الذي ينذر بمزيد من الاعتقالات في الأيام اللاحقة. كثيرًا ما واجهت حكومة الشاهد اتهامات بعجزها عن مكافحة الفساد، فضلًا عن اتهامات بضلوع أطراف في السلطة وحتى داخل البرلمان في حماية رجال أعمال ومهربين، تحوم حولهم شبهات فساد. تطاوين.. والاعتقالات تزامنت الاعتقالات مع مظاهرات تطالب بالتنمية في مناطق الجنوب واعتصامات في المناطق النفطية. مصادر أمنية قالت إن رجال أعمال ومهربين ضالعون في استغلال الظروف الاجتماعية الصعبة للشباب من خلال تأجيج المظاهرات السلمية المشروعة وتحويلها إلى عصيان مدني وأعمال شغب، يريدون بذلك وضع العصا في عجلة الدولة وتعطيل أي تفاهمات ممكنة لها مع الشباب المحتج؛ بهدف ثَنْي الإدارة عن اتخاذ أي إجراءات رادعة لأعمال التهريب والفساد. موقف الأحزاب التونسية وجدت حملة الاعتقالات لعدد من رجال الأعمال صدى إيجابيًّا لدى المواطن التونسي، الذي تظاهر في الشارع رفضًا لمشروع قانون المصالحة الاقتصادية الذي لا يرى له سبيل للتطبيق إلا من خلال قانون العدالة الانتقالية. وبالنسبة لموقف الأحزاب التونسية فقد لقيت حملة الفساد ترحيبًا منها ومن المجتمع المدني والاتحاد العام التونسي للشغل. فحزب نداء تونس الحاكم أكد دعمه للجهد الرسمي الحكومي لمقاومة الفساد، باعتبارها عنصرًا جوهريًّا في برنامج وثيقة قرطاج، وبرنامج حكومة الوحدة الوطنية. أما حركة النهضة المشاركة في الائتلاف الحاكم، وإن أيدت هذه الخطوة، فقد أكدت على ضرورة ألا تكون عملًا ظرفيًّا ولا انتقائيًّا. الجبهة الشعبية المعارضة، من جهتها وعلى لسان الناطق الرسمي باسمها، طالبت الحكومة بتوضيح الأسباب الحقيقية لهذه التوقيفات، ودعت إلى محاربة منظومة الفساد ككل. ويرى مراقبون أن التونسيين سيساندون رئيس حكومتهم في فتح ملف الفساد، الذي طالما تلكأت حكومات سابقة في طرحه، ولكن على الشاهد أن يقدم أوراق اعتماده لدى الشعب، فمجموعة من التساؤلات ما زالت مفتوحة ومشروعة، فهل تحركات الشاهد الأخيرة مجرد امتصاص لغضب شعبي وتنفيس له، أم أنها بداية لإجراءات جدية لمكافحة الفساد، أم تصفية حسابات كما يقول قطاع في تونس؟ فمصدر رسمي في تونس قال إن رجال أعمال كنجيب إسماعيل والشنوفي مرتبطون بقضايا فساد وبالتآمر على أمن الدولة وأيضًا بتمويلهم للاحتجاجات في تطاوين وفي مناطق مختلفة. ومن جهة أخرى صحيح أن الحملة الأخيرة تمت ضد شخصيات تحوم حولهم الكثير من شبهات الفساد، إلا أن هناك مجموعة من التحفظات على طبيعة الإجراءات المتخذة، فهي إجراءات احتياطية لم يصبح القضاء عمادها، وبالتالي ليست هناك ملفات تحقيق ترصد فساد هؤلاء الأشخاص أو التسويات التي قد يتم التعامل بها معهم في الغرف المغلقة.