دائمًا ما مثلت كوريا الشمالية على مر العقود الماضية صداعًا كبيرًا في رأس الاحتلال الإسرائيلي، فلم يكن التوتر الأخير الناتج عن السجال الكلامي بين بيونج يانج والكيان الصهيوني هو الأول من نوعه، لا سيما وأن الأولى تعتبر من بين أبرز الدول الآسوية التي لا تعترف بإسرائيل، حيث لم تقم أي علاقات دبلوماسية بين الجانبين منذ ظهور الاحتلال الإسرائيلي عام1948، وفي المقابل يعتبر الكيان الصهيوني كوريا الشمالية من المحور المعادي لها. ووجهت كوريا الشمالية في تحدٍّ واضح للولايات المتحدةالأمريكية تهديدًا شاملًا للكيان الصهيوني ب«عقاب لا يرحم» بعد ما انتقد وزير الأمن الإسرائيلي أفيجدو ليبرمان الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، مؤكدًا أنه حليف للرئيس السوري بشار الأسد، مضيفًا أن هناك محورًا مكونًا من كوريا الشمالية عن طريق إيران إلى سوريا وحزب الله، وكل هدفهم بحسب زعمه هو تقويض الاستقرار في العالم. وكشفت تصريحات ليبرمان الخوف الواسع داخل الأوساط الإسرائيلية الناتج عن إحتمالية نشوب حرب نووية في شبه الجزيرة الكورية، حيث اعتبر ليبرمان إن إسرائيل ستتأثر بشكل مباشر إذا بدأت الحرب بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوكوريا الشمالية. وردًّا على هذه التصريحات هددت كوريا الشمالية إسرائيل ب «عقاب لا يرحم»، وجاء في بيان لوزارة خارجية كوريا الشمالية: «وزير الأمن الإسرائيلي مس بتصريحاته شرف القائد العظيم».. «الحديث يدور عن كلمات غير مسؤولة واتهامات تتناقض وقيم دولتنا».. «إسرائيل هي الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك أسلحة نووية بحماية من الولاياتالمتحدة». وعلى الرغم من عدم انخراط كوريا الشمالية في السنوات الأخيرة في الاهتمام بملفات الشرق الأوسط، إلا أنها ظلت داعمة بشكل وثيق للقضية الفلسطينية، ومنسقة مع كل الدول المعادية للكيان الصهيوني، معتبرة أن وجود القواعد الأمريكية بالشرق الأوسط للسيطرة على ثرواته وموارده، وهو ما أظهره البيان الأخير، حيث شددت كوريا الشمالية على أن "إسرائيل تشكل عائقًا في منطقة الشرق الأوسط، وتحتل مناطق عربية، وتنفذ جرائم ضد الإنسانية"، مشيرة إلى أن "وجهة نظر كوريا الشمالية تقوم على العدالة والسلام، ولذلك فإن موقفنا حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو أن الفلسطينيين على حق في نضالهم لنيل حقوقهم في الأراضي المحتلة وإقامة دولتهم الخاصة بهم". مرت العلاقات الكورية الشمالية مع الكيان الصهيوني بحالة واسعة من العداء على مر تاريخ الاحتلال للأراضي الفلسطينية، حيث تدين بيونج يانج إسرائيل بوصفها تابعًا إمبرياليًّا، ومنذ عام 1988 تعترف بسيادة دولة فلسطين على كامل أراضيها ما قبل الاحتلال، كما تعترف بمرتفعات الجولان على أنها جزء من الأراضي السورية. كوريا الشمالية ومصر وسورياوإيران بدأ التوتر الكوري الشمالي مع الاحتلال الإسرائيلي منذ حرب أكتوبر عام 1973، حيث ساعدت بيونج يانج الدول العربية في حربها ضد إسرائيل من خلال إرسال 20 طيارًا و19 من الأفراد غير القتاليين إلى مصر، كما خاضت وحدة الطيران الكوري الشمالي من أربع إلى ست مواجهات مع الإسرائيليين من أغسطس حتى نهاية الحرب، ووفقًا لما ذكره شلومو ألوني، شهد الاشتباك الجوي الأخير على الجبهة المصرية، الذي جرى في 6 ديسمبر، اشتباك طائرات إسرائيلية من طراز إف-4 مع طائرات ميغ-21 يقودها كوريون شماليون. ومنذ ذلك الحين ووصل العداء إلى أوجه، حتى بعد توقيع بعض الدول العربية ومن بينها مصر على معاهدات مع إسرائيل، حيث زودت كوريا الشمالية بتكنولوجيا الصواريخ الدول المحيطة بالكيان الصهيوني، بما في ذلك إيران وليبيا ومصر وسوريا، وخاصة الأخيرة التي لديها تاريخ من المواجهات مع الكيان الصهيوني، وتحافظ منذ فترة طويلة على علاقة مع كوريا الشمالية على أساس التعاون الذى وصل إلى مجده في العقد الماضي، بعدما كشفت بعض التقارير عزم بيونج يانج نقل برنامجها النووي الخاص إلى سوريا. وفي عام 1992 ادعت الصحف الصهيونية أن هناك اتصالات سرية أجرتها إسرائيل مع كوريا الشمالية من أجل إقناع كوريا الشمالية بعدم بيع صواريخ أرض-أرض لسوريا والعراق ومصر وليبيا، ففى فترة رئيس الحكومة الإسرائيلية إسحاق رابين، زارت بعثة تابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية كوريا الشمالية؛ لعرض صفقة مغرية على بيونج يانج، تتضمن شراء منجم ذهب غير فعال مقابل أن تلتزم كوريا الشمالية بعدم بيع تكنولوجيا نووية وصواريخ مطورة للعرب، إلا أن المفاوضات ألغيت بسبب رفض بيونج يانج هذا الأمر، مؤكدة أن الموساد وراء هذه الصفقة، وفي عام 1993 قدم رئيس الموساد في ذلك الحين «شفتاي شافيت» تقريرًا لرئيس الحكومة، وجاء فيه أن استمرار الاتصالات مع كوريا الشمالية لا يساهم في شيء بالنسبة للكيان الصهيوني؛ لرفضها التعاون. وفي 2011 عندما توفي الزعيم الكوري الشمالي كيم يونج وان، توقعت إسرائيل تخفيف التعاون بين كوريا الشماليةوسورياوإيران وحزب الله، وأعربت عن أملها أن تؤدي وفاة كيم إلى فك ارتباط المحور ببعضه، لكن رغم ذلك بدا واضحًا أن ذلك حلم بعيد المنال، ولا سيما في ظل استمرار مساعدة بيونج يانج في التعاون مع إيران في إنتاج وتطوير صواريخ بعيدة المدى،وكشفت صحيفة "الجيروزاليم بوست" في ذلك الوقت عن تخوف إسرائيل من إمكانية أن يؤدي العجز الاقتصادي في كوريا الشمالية إلى سعيها لبناء مفاعلات نووية جديدة في أماكن عدة، مثل سوريا وغيرها ووصول شحنات كبيرة من الصواريخ إلى حزب الله وحماس. كوريا الشمالية والقضية الفلسطينية وكان من بين أبرز الأسباب التي أدت إلى استمرار التوتر بين الجانبين العلاقات الكورية الشمالية مع منظمة التحرير الفلسطينية، والتي بدأت عام 1970م، وكان كل من كيم يونج وان وياسر عرفات بينهما علاقة وثيقة، وزادت مساعدات كوريا الشماليةللفلسطينيين بسبب هذه العلاقة. بدأ دعم كوريا الشمالية لمنظمة التحرير الفلسطينية في عام 1970، وتضمن توريد أسلحة ومساعدات عسكرية، كما شمل مساعدة عدة فصائل يسارية وحركات ثورية مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. وواصلت كوريا الشمالية إرسال المساعدات والأسلحة إلى الفصائل الفلسطينية حتى في الفترة التي انفتحت فيها مع حلفائها كالصين تحت حكم دنج شياو بينج وضعف الاتحاد السوفيتيي في ثمانينيات القرن الماضي، واصلت كوريا الشمالية دعم القضية الفلسطينة، وأدانت كل الأعمال الإسرائيلية بالمنطقة. وفي حرب إسرائيل على غزة في 2008 – 2009 أدانت بشدة الإجراءات الإسرائيلية وأعمال القتل للمدنيين، ووقتها ندد متحدث باسم وزارة الخارجية الكورية الشمالية بقتل المدنيين العزل، ووصفه بأنه جريمة ضد الإنسانية.