تشهد الساحة الاقتصادية في تونس مجموعة من الحلول الاقتصادية؛ في محاولة لإيقاف نزيف الدينار التونسي، وعلى الرغم من استصدار بعض الحلول وبعضها الآخر تحت قيد الدراسة، إلا أن هذه الحلول قد تزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي بدلًا من حلحلته. رفع سعر الفائدة أعلن بنك تونس المركزي رفع سعر الفائدة الرئيسي بخمسين نقطة؛ لتصل إلى 4.75% لأول مرة منذ ثلاث سنوات، البنك التونسي عزا هذه الخطوة إلى ما وصفها بالضغوط المتصاعدة جراء الإقبال المتزايد للمتعاملين على طلب العملات الأجنبية، الأمر الذي أدى إلى هبوط ملحوظ في قيمة الدينار إزاء كل من الدولار الأمريكي واليورو، فبعدما كان سعر اليورو يساوي قبل أسبوع نحو 2.55 دينار، وسعر الدولار يساوي نحو 2.26 دينار، قفز سعر اليورو إلى 2.7 دينار، بينما قفز سعر الدولار إلى 2.5 دينار، ومع ذلك يتوقع الخبراء أن ينخفض الدينار أكثر. البنك المركزي التونسي من خلال هذه الإجراءات يهدف إلى المحافظة على قيمة الدينار التونسي،وكان قد تدخل سابقًا في إطار مهامه في سوق الصرف ب 100 مليون دولار؛ في محاولة لإرجاع الدينار التونسي إلى قوته، ويبدو أن الخطوة الجديدة برفع نسبة الفائدة من قبل المركزي يريد من خلالها أن يعطي نوعًا من المكافأة لمن احتكر العملة الصعبة، وأصبح يتردد في تحويل العملة الصعبة إلى الدينار التونسي، خاصة بعد تصريحات وزيرة الماليةالتونسية، لمياء الزريبى بوجناح، أن "الدينار التونسي سوف يواصل تزحلقه وتدحرجه"، وبالتالي هو تشجيع على تحويل العملة الصعبة إلى محلية. في الفترة الأخيرة طرأ سبب هام جدًّا على الساحة الاقتصادية التونسية جعل قيمة الدينار تتدحرج بشكل كبير، وهو العجز في الميزان التجاري الذي تفاقم بصورة كبيرة، حيث ارتفع من مليار و100 مليون دولار أمريكي في السنوات السابقة، إلى مليار وسبعمائة مليون دولار أمريكي عام 2017، يعني زيادة بقيمة 600 مليون دولار موزعة على الشكل التالي: 400 مليون دولار تقريبَا من الصين، و200 مليون دولار موزعة بين تركيا وروسيا وإيطاليا. والحديث عن الصين يعني أن المواد المستوردة تستعمل بالأساس في القطاع الموازي، وهذا القطاع حاليًّا يقدم حلولًا لبطالة الشباب في ظل غياب القطاع المنظم وتعطل الاستثمار الخاص. مشكلة التدخل التونسي برفع سعر الفائدة هو في أن هذا التدخل ظرفي، وإذا واصل العجز التجاري تفاقمه في الأيام القادمة، فإن هذه الخطوة لا تصلح كحل جذري للاقتصاد التونسي، خاصة إذا ما تم الأخذ بعين الاعتبار أن رفع نسبة الفائدة سوف يضر بالاستثمار الخاص، مع العلم بأن نشاط الاستثمار الخاص شبه متوقف في تونس، ورفع سعر الفائدة سوف تزيد من مصاعب الاستثمار الخاص، ومن أحد الحلول الضرورية لإنعاش الاقتصاد في تونس عودة الاستثمار الخاص إلى سابق نشاطه. المصالحة مع رجال النظام المخلوع بدأ البرلمان التونسي، أمس الأربعاء، مناقشة مشروع قانون مصالحة اقتصادية مثير للجدل؛ لإعفاء مسؤولين ورجال أعمال من نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي متهمين في قضايا فساد مالي، وسط موجة رفض قوية من أحزاب ومنظمات تعهدت بالتظاهر للتصدي للمشروع. مشروع القانون يخص شريحة تضم من "6000 إلى 8000" موظف كبير سابق في الدولة التونسية، برتبة وزير أو مدير عام أو مسؤول في الإدارة برتبة سفير أو غير ذلك. ويتيح مشروع القانون لرجال الأعمال رد الأموال المنهوبة بفائدة لا تتجاوز الخمسة في المائة مع عفو ضريبي بنسبة 30%، على أن تجري تبرئتهم إذا أعادوا ما نهبوه من أموال إلى خزينة الدولة. ويقول المسؤولون إنهم يأملون من خلال القانون في إنعاش الاقتصاد بمليارات الدولارات وإعطاء إشارات إيجابية للمستثمرين في الداخل والخارج لضخ أموالهم، لكن المعارضة ومنظمات كثيرة تقول إن المشروع بمنزلة تطبيع مع الفساد وتشجيع على إعادة إنتاج الانتهاكات. وتعاني تونس من عجز مالي كبير في ظل انحسار مواردها وتباطؤ النمو الاقتصادي إلى حوالي 1.1 في المائة في 2016. تعويم الدينار التونسي يرى خبراء تونسيون أن خطوة تعويم الدينار التونسي قادمة لا محال على غرار ما حصل مؤخرًا مع الجنيه المصري، حيث يربط خبراء الهبوط القياسي للدينار بضغوط يمارسها صندوق النقد الدولي، والجدير بالذكر أن قرضًا للبنك الدولي لتونس قد تأخر كثيرًا، حيث كان من المفترض أن تحصل تونس على القسط الثاني من القرض منذ أواخر 2016، ولكن حتى الآن لم يصرح صندوق النقد الدولي عن موعد تسليم هذا القسط، وما زالت تونس تنتظر اجتماع مجلس إدارة البنك لكي يقرر صندوق النقد الدولي تسريح القسط الثاني هذا من دون الحديث عن القسط الثالث، الأمر الذي أدى إلى أزمة دخول العملة الصعبة إلى تونس، مع العلم أن الواردات ارتفعت لأول مرة ب 20% في تونس، الأمر الذي أحدث ارتجاجًا كبيرًا على مستوى الاقتصاد التونسي. وكان صندوق النقد الدولي قد برر وقف صرف الشريحة الثانية من القرض لتونس ببطء الإصلاحات الاقتصادية التي تسير عليها الحكومة التونسية، حيث لم تكن الحكومة قد طرحت البنوك العامة في البورصة، ولم تقدم على تعويم العملة المحلية مثلما كان الاتفاق مع الصندوق. ويرى مراقبون اقتصاديون أن كل هذه الإجراءات الاقتصادية في تونس من قروض ورفع سعر الفائدة والمصالحة مع رموز الفساد هي فقط مسكنات، وأن الدينار لا يزال في غرفة الإنعاش.