بدأت الصين في الأيام القليلة الماضية وضع حجر الأساس لمشروعها الاستثماري الكبير في سلطنة عمان، والذي يتمثل في إنشاء مدينة في منطقة الدقم الواقعة على بعد مئات الكيلومترات جنوب العاصمة مسقط، باستثمارات تقدر بأكثر من 10 مليارات دولار، وفيما تعد هذه المدينة هي الأكبر على الإطلاق في منطقة الخليج، طرح كثيرون تساؤلا عن ماهية اختيار بكين لأرض السلطنة ليتم فيها عمل هذا المشروع الكبير. ووقعت الصينوعمان "اتفاقية التعاون ومنح حق الانتفاع والتطوير" لإنشاء المدينة الصناعية الصينيةالعمانية بالدقم في 23 مايو الماضي، إلا أن المشروع بدأ بحسب وكالات الأنباء العمانيةوالصينية في الأسبوع الماضي، ووضعت شركة (وانفانج) الصينية وهي المستثمر الرئيسي في المدينة الواقعة على ساحل بحر العرب خطة على "ثلاث فئات رئيسية" لتنفيذ المشروع. شكل المشروع وبحسب رئيس شركة "وانفانج" الصينية فإن المرحلة الأولى ستكون بمساحة حوالي 870 هكتارا، فيما ستقام المرحلة الثانية على مساحة نحو 10 هكتارات، وهي أرض غير قابلة للتقسيم تم تخصيصها لتنفيذ فندق 5 نجوم، في حين ستقام المرحلة الثالثة على مساحة حوالي 292 هكتارا وتم تخصيصها لإقامة مصفاة نفط بسعة 230 ألف برميل يوميا ومجمع للصناعات البتروكيماوية. ويقوم المشروع على بعد (550 كيلومترا جنوبمسقط)، على مساحة تبلغ 11.7 كيلومتر مربع، ويبلغ عدد المشروعات التي سيتم تنفيذها بالمدينة، التي ستنتهي عام 2022، بنحو 35 مشروعًا، وتتضمن مشاريع في الميثانول والسولار وصناعة أنابيب الحفر وإنشاء محطة كهرباء ومشروع مجمع سياحي، وستضم المدينة كذلك 35 مشروعًا تتوزع بين الصناعات الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، ومشاريع بتروكيماوية، وقال مدير شركة وانفانج، في كلمة خلال حفل التوقيع، إن المشاريع العملاقة التي ستنطلق في هذه المدينة الصناعية سيبلغ حجم استثماراتها 3.2 مليارات دولار. لماذا عمان؟ في السنوات الماضية تحركت الصين للتوغل أكثر في الأسواق الخليجية لتحقيق أهداف تنموية خاصة بها سياسية واقتصادية في المقام الأول، وقد أثمرت جهودها في سلطنة عمان، حيث اغتنمت الصين فرصة طرح الجانب العماني إنشاء مدينة صناعية مشتركة لتعزيز التعاون النشط. من ناحية أخرى فان عمان اقتصاديًا وسياسيًا تتوفر لديها عوامل جذب واسعة لمثل هذه الاستثمارات الكبرى، فبالإضافة إلى أنها تمتلك مجموعة متكاملة من مقومات جذب الاستثمار الأجنبي، من خلال اتباعها سياسة الاقتصاد الحر وسن قوانين وتشريعات لإرساء ودعم هذا التوجه الاقتصادي المفتوح، فإن لديها مقومات سياسية عدة أبرزها الاستقرار السياسي والاجتماعي وابتعادها عن صراعات المنطقة ومحاولة اتزان موقفها الدولي من كافة قضايا الشرق الأوسط، بخلاف الدول الخليجية الأخرى التي دخلت كلاعب رئيسي في الملفات الملتهبة، الأمر الذي مس استقرارها السياسي وزاد من الفوضى والاضطراب الأمني لديها. وتوفر السلطنة مجموعة من عوامل الإنتاج تتمثل في تواجد عدد من المناطق الصناعية المجهزة بكافة الخدمات والتسهيلات، إضافة إلى موقعها الاستراتيجي المطل على الممرات البحرية الدولية والاقليمية، في ظل وجود عدد من موانئ التصدير، كما أنها أصدرت الكثير من القوانين التي تعفى المستثمر من تحمل أي أعباء جمركية أو قيود على القيام بالأعمال أو إجراء المعاملات والتحويلات المالية إلى الخارج، فضلا عن سن بعض القوانين والتشريعات لتوفير الحوافز والتسهيلات التي من شأنها رفع معدلات ربحية المشروعات التي تقام فيها. كما أن عمان تدعم المشروع الصيني الكبير بإنشاء مركز تجاري على طريق الحرير، حيث قالت وكالة أنباء شينخوا الصينية إن عمان تعد مركزا تجاريًا هاما على هذا الطريق القديم (الصيني)، وتعتبر من بين البلدان الواقعة على طول "الحزام والطريق" حيث رحبت السلطنة بالمبادرة، وقال وزير الإعلام العماني الدكتور عبدالمنعم الحسني: "الحزام والطريق" ليس مشروعا اقتصاديا فحسب، وإنما أيضا هو مشروع فكري وثقافي يمكن أن يحقق التبادلات والفوز المشترك بين حضارات مختلفة." وقال السفير الصيني لدى عمان، يو فو لونغ، لصحيفة الشعب اليومية الصينية، إن إنشاء "الحزام والطريق" منصة للتعاون العملي الشامل بين الصين والعالم العربي. إن عمان تعي بوضوح الفرص التي يجلبها التوجه "نحو الشرق"، وتتطلع لتحقيق التنويع الاقتصادي بداخلها من خلال التكنولوجيا المتقدمة والأفكار الصينية، كما يمكن للتكنولوجيا المتقدمة ونوعية الموظفين الممتازين ومعايير الصناعة المتكاملة أن تلعب دورا هاما في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في عمان. الفائدة التي تعود على عمان يمثل هذا المشروع أحد أكثر المشاريع أهمية لدى الإدارة العمانية كونه سيحقق لها الكثير من الطموحات الاقتصادية في الشرق الأوسط، فهو سيكون مركزا للتصدير، كما أنه سيعمل على التنويع الاقتصادي للسلطنة وجذب الاستثمارات الأجنبية لتنمية الاقتصاد الوطني. وتعمل عمان على أن تكون المنطقة الصناعية الصينية الجديدة ركيزة أساسية للاستثمار مثل توفير الأراضي الصناعية كاملة المرافق والطاقة بسعر مناسب وربط الاستثمار في قطاعات الصحة والتعليم بالواقع المحلي، لتوفير المزيد من الدعم لنمو الاقتصاد العماني الذي يعاني من تدهور أسعار النفط. قال لي تشي جيان، الرئيس التنفيذي لهيئة إدارة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، إن النفط يعتبر العماد الرئيسي للاقتصاد العماني في الوقت الرهن، حيث تعتمد عمان على الطاقة لتحقيق نحو 80٪ من دخلها، إلا أن الحكومة العمانية أدركت في الآونة بعد انهيار أسعار النفط أن التنويع الصناعي أمر حتمي، الأمر الذي تزامن مع رغبة الشركات الصينية.