اليوم هو الثاني من ملحمة البطولة التي يخوضها أسرانا الميامين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الثاني من الإضراب المفتوح عن الطعام الذي يخوضه أكثر من ألف وثلاثمائة أسير فلسطيني داخل السجون، بشراكة من معظم التنظيمات الفلسطينية، وعنوان هذا الإضراب وقائده هو الأسير المناضل العظيم، مروان البرغوثي، الذي لم يكل ولم يملّ، ولم ينفك يدفع من عمره وحريّته وصحّته وحياته ضريبةً للقضية وتحدياً للاحتلال، ولكنني اليوم كتبت هذا المقال، لأنني أشعر صراحةً بالخجل من كوّني فلسطينيّ، وابن جلدتي جائعٌ في السجون، وحكّاميّ يتناحرون حول من منهم يتولى مهمة ضياع مستقبلي! موقف مخجل للغاية، أن لا تملك سوى بعض كلمات تقدمها لهذه النفوس الكبيرة والأرواح العظيمة التي تأبى الذل وتدافع عن ما تبقى لنا من كرامة وإباء، وما هو مُخجل أكثر لنا جميعاً، حين صارت أهم ركائز قضيتنا الفلسطينية، مثل الأسرى، مجرّد قصة عابرة، تموت في مجلس ذكرها، بعد عشرة أعوام من تغييب أقل مفاهيمنا الوطنية، والهبوط بمستوانا الوطني إلى كهرباء وماء ومعابر. فقدنا أنفسنا وانتماءنا، وصرنا حبيسي مزاجات من يتحكمون بنا، ندافع عن هذا ونهاجم ذاك، وأخشى ما أخشاه، أن نسمع غداً عن انشقاق الأسرى أنفسهم في إضرابهم، واستنكاف أبناء التنظيم "س"، لأنَّ قائد الإضراب من التنظيم "ح"! بالأمس كانت هناك وقفة أمام الصليب الأحمر، وقفة "وطنية" شارك فيها عدد من الشباب والرجال والنساء، تخيّلوا لم يُرفع علم فلسطين؟ ولم تتوحّد حتى هتافاتنا! فماذا يمكن أن نقدّم للأسرى؟ نحن لا نستطيع أن نقدم لأنفسنا، بهذا السرطان والمتلازمة الانشقاقية التي تلاصق كل فلسطيني، ولا أرانا نصلُح في هذا الوضع والحال، أن نتبني أي قضيّة وننتصر بها. نحن لم نعد نصلح لغير المناكفات، والمزايدات، تماماً كزوجة وضرّتها، المهم أن فلسطين باتت اسماً بعيدا عن نوايانا وعن رؤانا، و يقترب إذا ما احتاج الأمر لاسمها لدعم موقف حزبنا وتنظيمنا. أليس الأمر حقاً مدعاة للخجل؟ التعاطي مع القضيّة إعلامياً وميدانياً في غزة، ضئيل للغاية، بعض النشطاء يصرخون بحرقة صادقة، وبعضهم يكتبون "تبرايةَ" للعتب، وبعض آخر يلوم من لم يكتبوا، والبعض يتباهى بأن تنظيمه عقد صفقة تحرير أسرى، ووقفة هنا، وخيمة هناك، ويا دار ما دخلك شر! ماذا يحتاج منّا الأسرى فعلاً، وما هو العمل الذي يُمكن أن يُشعرنا بالرضى عن أنفسنا تجاه كل قضايانا الرئيسية؟ ما هو مطلوب وما هو واجب وما هو ضروري الآن لنا وللأسرى ولفلسطين، أن نحتكم إلى قوانين الأوطان، أن نعود لرشدنا وصوابنا، ونقدّم مصلحة وطننا وقضيتنا فوق كل مصلحة واعتبار، ونهتف يوماً للأسرى، لفلسطين، بحق. أن ينتهي الانقسام، ويتحد صفّنا، حتى على الأقل حين نهتف، يصبح صوتنا أقوى! يا أسرانا الأحرار، لا أرى أنه يجب أن أقول من غزة ومن غرفتي المظلمة هذه: "الحرية لأسرانا الأبطال" صدقوني أنتم الأحرار ونحن الأسرى، وسجنكم هذا خلوةٌ، وسجننا موت، وزنزانتكم مجدُ وحرية، وحريّتنا زنازين.