وسط حالة من عدم الوضوح التي تشهدها العلاقات المغربية الأمريكية على خلفية وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السلطة مؤخرًا وعدم تحديد شكل أغلب علاقاته بدول الشرق الأوسط، يزور الملك المغربي محمد السادس الولاياتالمتحدةالأمريكية؛ من أجل رسم ملامح مستقبل مرن وإيجابي في العلاقة مع واشنطن، لاسيما وأن الرباط في الآونة الأخيرة تحاول أن تحشد المجتمع الدولي وخاصة القوى الكبري لتغيير الانطباعات الدولية عن قضيتها المركزية (الصحراء الغربية). وتأتي هذه الزيارة التي يلتقي خلالها الملك المغربي بالرئيس دونالد ترامب لبحث القضايا المشتركة والعلاقات الثنائية، بعد فترة شابها التوتر بين البلدين وصلت إلى حد الصراع الدبلوماسي في الأممالمتحدة، حيث شهدت علاقات الدولتين في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما الكثير من الخلافات، خاصة في قضية الصحراء المغربية. وينتظر أن تشهد القمة المغربية الأمريكية مباحثات فيما يتعلق بملفات ترى الرباط أن لها أولوية، أبرزها توطيد العلاقات الاقتصادية، ومسألة التسليح الأمريكي، والحفاظ على الأمن في المغرب الإفريقي، إضافة لبحث مسألة الخلافات الطارئة بين المغرب وإفريقيا. وتعد المملكة المغربية على مر التاريخ من أهم حلفاء الولاياتالمتحدةالأمريكية في القارة الإفريقية، فالمغرب من أول الدول التي اعترفت بالاستقلال الأمريكي عام 1787، كما تشهد علاقاتها مع أغلب الرؤساء الجمهوريين الكثير من التحسن، حيث صنفها الرئيس الأسبق جوج الابن في فترته حليفًا رئيسيًّا لبلاده خارج شمال الأطلسي، كما وقع البَلدان اتفاقية للتبادل الحر وصلت إلى عامها ال11، كما بلغت قيمة المبادلات التجارية عام 2013 إلى 4,26 مليار دولار أمريكي. الصحراء الغربية بحسب الصحف والوكالات العالمية، رجحت مصادر دبلوماسية أن يتركز اللقاء الذي يجمع الزعيمين حول ملف الصحراء بالدرجة الأولى، حيث قال مراقبون إن زيارة العاهل المغربي للولايات المتحدة التي تأتي بعد كوبا مباشرة في سياق تفاعلات ملف الصحراء المغربية، حيث إن هافانا تعتبر داعمًا تاريخيًّا للبوليساريو، لافتين إلى أن زيارة الملك محمد السادس لكوبا تعد اختراقًا دبلوماسيًّا لإحدى القلاع التي تعتمد عليها الجزائر في مناهضة حقوق المغرب في صحرائه. ورغم أنه لم يخرج شيء عن لقاءات الملك محمد السادس مع المسؤولين الكوبيين، إلا أن الزيارة أتت بعد أيام من تقديم أنطونيو جوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة تقريره حول الصحراء، ويؤكد الخبراء أن زيارته لواشنطن تأتي في نفس السياق، حيث تصحيح بعض المسارات واختيار بدائل سياسية في ملف الصحراء تخدم استقرار المغرب بعد الاقتراب من الخيار العسكري. ولم يعلن ترامب موقفه صراحة من هذه القضية الحساسة للمغرب، لكن داخل الأوساط المغربية حديث عن أن النظرة الأمريكية بدت متغيرة في عهد ترامب، على أساس أن العلاقة سترتكز على المعطيات الأمنية والاقتصادية بين البلدين، خلافًا لما شهدته فترة الرئيس باراك أوباما، حيث تعرضت العلاقة لهزات، وكان آخرها تقديم مشروع القرار الأمريكي في الأممالمتحدة لتوسيع مهام بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الصحراء المغربية؛ لتشمل مراقبة حقوق الإنسان. العلاقة مع إفريقيا تعول الإدارة المغربية على واشنطن لمساعدتها فى اختراق الواقع الإفريقي المرسوم منذ فترة على الرباط، والذي منح البوليساريو منذ عقود مقعدًا بالاتحاد الإفريقي، وهو ما تحاول المغرب تغييره في الفترة الأخيرة، من خلال الزيارات واللقاءات مع زعماء الدول الإفريقية الكبري، إلا أن جنوب إفريقيا تبقى العائق الدائم لأي تطور قد يحدث في هذا الواقع. لذلك يستثمر الملك المغربي زيارته للولايات المتحدةالأمريكية من خلال علاقة الأخيرة الوثيقة بجنوب إفريقيا؛ من أجل خفض التوتر في علاقات الرباط وجوهانسبورج، والمساعدة على عودة العلاقات إلى الخطوط السابقة. الأمن تحاول المغرب والولاياتالمتحدة دائمًا استغلال العلاقة المتميزة بين الجانبين للتعاون الأمني والعسكري. يقول مدير المعهد والخبير في السياسات الشرق أوسطية روبرت ساتلوف، إن الرئيس دونالد ترامب وضع عدة شروط ستمكن في حالة تحققها من ضمان علاقات جيدة بين المغرب وأمريكا، من بينها التعاون الأمني، حيث أسست المغرب ترسانة قانونية تعنى بمحاكمة "جرائم الإرهاب"، مستمدة من الخطة القانونية الأمريكية لمكافحة الإرهاب. التعاون العسكري ومن الناحية العسكرية، اعتبر الرئيس السابق جورج بوش الابن عام 2004 المغرب حليفًا رئيسيًّا للولايات المتحدة خارج حلف شمال الأطلسي، ويعتبر المغرب أحد أفضل الزبائن لشركات صناعة الأسلحة الأمريكية، بالإضافة لانخراط المغرب في العديد من المناورات الحربية مع الأمريكيين. طي صفحة أوباما يحاول الملك المغربي من خلال هذه الزيارة طي صفحة الرئيس الأمريكي أوباما، التي شهدت معارك دبلوماسية عدة خاصة في الأممالمتحدة، تجلت في مشروع القرار الأمريكي الذي قادته سفيرة الولاياتالمتحدة في الأممالمتحدة سوزان رايس؛ لتوسيع مهمة بعثة الأممالمتحدة في الصحراء الغربية "مينورسو"؛ لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في تلك المنطقة العام الماضي، ونتيجة للموقف الأمريكي اتجهت المغرب إلى سحب الثقة من المبعوث الأممي للصحراء كريستوفر روس، وهي الخطوة التي رفضتها الإدارة الأمريكية حينذاك. وألغى المغرب مناوراته العسكرية مع الولاياتالمتحدة والتي يطلق عليها "الأسد الإفريقي 2013″، وهي مناورات حربية سنوية مشتركة بين الجيش المغربي والجيش الأمريكي، وبمجرد سحب الولاياتالمتحدة مقترحها حول توسيع مهام بعثة المينورسو لتشمل حقوق الإنسان، عاد الحديث عن استئناف مناورات "الأسد الإفريقي" التي كان المغرب قد قرر إلغاءها. أهداف أمريكية تأتي زيارة العاهل المغربي لواشنطن ولقاؤه المنتظر مع ترامب بعد لقاءات جمعت الرئيس الأمريكي مع زعامات عربية من بينها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، والرئيس عبد الفتاح السيسي، وولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وتهدف هذه اللقاءات إلى إحياء التحالف العربي الأمريكي، وتوحيد الرؤى تجاه الحلول التي تراه واشنطن مناسبة في ملفات المنطقة، وخاصة القضية الفلسطينة وسوريا وليبيا واليمن.