تثير زيارة الأمير القطري تميم بن حمد، إثيوبيا، المقرر لها غدا الاثنين، جدلًا واسعًا داخل الأوساط المصرية، لاسيما أنها تتزامن مع إعلان أديس أبابا عن قرب الانتهاء من إنشاء سد النهضة، الأمر الذي يطرح تساؤلات مهمة عن أهداف الزيارة، وهل لها ارتباط بملف مصر المائي أم تتعلق فقط بالعلاقات الثنائية بين الدولتين. طالما تسود حالة من القلق والتوجس داخل الأوساط المصرية، عندما يخوض أي زعيم أجنبي وخاصة خليجي، إثيوبيا، حيث تثار حول مثل هذه الزيارات أسئلة عن الدعم المقدم لسد النهضة، والذي يدور حول طبيعية إنشائه خلاف مستمر بين القاهرةوأديس أبابا حتى الآن، لاسيما أن المفاوضات بين البلدين كثيرًا ما شهدت تعقيدات على خلفية صعوبة صدور الدراسات الفنية التي تدرس تأثيرات وخواطر السد على دول المصب. وبعيدًا عن ملف سد النهضة، فإن أي تحركات أجنبية تجاه القارة الإفريقية، لاسيما الاقتصادي والتجاري، تفسر في بعض الأحيان بأنها أطماع للسيطرة على المصادر والموارد الداخلية للقارة؛ كونها غنية بالثروات الطبيعية وأهم مصادر الطاقة في العالم قديما وحديثا، لتأتي زيارة الأمير القطري لإثيوبيا، التي يخوضها ضمن جولة إفريقية، لتزيد شكوك المراقبين المصريين حول مساعي الدوحة لتوسيع نفوذها والإضرار بمصالح القاهرة خاصة المائية. وتأتي الزيارة بحسب مراقبين ودبلوماسيين، في وقت تتردد فيه أخبار عن عجز إثيوبيا لتوفير تمويل ما تبقى من مراحل إنشاء السد، فبعدما أعلن وزير الدفاع الإثيوبي سراج فقيس، خلال الاحتفال الذي أقيم في أوائل الشهر الراهن، اكتمال 57% من أعمال البناء في مشروع السد، وأن 72% من التوربينات تم تركيبها بالفعل في جسم السد الرئيسي، أثيرت مسألة التمويل مؤخرًا واحتياج أديس أبابا لاستكمال السد، بعدما كشفت وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية الخميس الماضي، أن السلطات تخطط لجمع 125 مليون بر حوالي (6 ملايين دولار) من بيع اليانصيب المخصص لمواصلة البناء في سد النهضة، مشيرة إلى أن مكتب المجلس الوطني لتنسيق المشاركة العامة في بناء سد النهضة وقّع اتفاقية مع إدارة اليانصيب الوطنية لإطلاق اليانصيب كجزء من سلسلة برامج جمع الأموال لتمويل المشروع. الخبر الذي يؤكد أن المشروع ربما يواجه تعثرا ماليا خلال الفترة الراهنة، تزامن مع زيارة أمير قطر، وبحسب الدبلوماسي السفير محمد المنيسي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، فإن الأمر يعد بمثابة موقف واضح وصريح من الدوحة بأنها ستوفر احتياجات إثيوبيا من تمويلات لاستكمال بناء السد، مؤكدا أن قطر لا تفوت أي فرصة للإضرار بمصالح مصر حتى لو بعيدًا عن الشرق الأوسط، في إشارة إلى القارة الإفريقية. ولفت المنيسي إلى ارتباط الزيارة بملف سد النهضة الإثيوبي، خاصة أن الشركات العاملة في المشروع تواجه مشكلة واسعة في تمويل ما تبقى من مراحل بناء السد، متابعًا أن الزيارة تأتي في إطار تحقيق أديس أباباوالدوحة مكاسب مشتركة؛ فالأولى تحتاج إلى التمويل القطري لاستكمال المشروع، والثانية لديها طموحات كبيرة لتشكيل تحالف يضم إثيوبيا والسودان لإرباك الأوراق المصرية، خاصة أن الملف المائي يشكل أهمية قصوى ويمثل أمن قومي للقاهرة، مؤكدًا أنها الدوحة على استعداد لعمل أي شيء يؤثر على مسيرة مصر في استعادة دورها في المنطقة. ورأت صحف عربية أن الزيارة القطرية عبارة عن مكايدة سياسية، ويرى مراقبون أن قطر انتظرت طويلا لإجراء زيارة رسمية يترأس وفدها أعلى رأس في البلاد إلى حين قرب اكتمال بناء السد، استنادًا إلى أن الدوحة لم تكن مستعدة للمغامرة والدخول منذ البداية على خط الأزمة، في قضية قد تكون خاسرة لأديس أبابا، وأن استنفاد القاهرة لمعظم أوراقها الدبلوماسية، شجع قطر على الاستثمار في توتر علاقاتها مع إثيوبيا. وتعد الزيارة، الأولى لتميم منذ أبريل 2013، حيث أجرى أمير قطر السابق، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، زيارًة إلى أديس أبابا، كانت الأولى لزعيم قطري إلى إثيوبيا منذ استئناف العلاقات بين البلدين عام 2012 بعد انقطاعها عام 2008، بعدما اتفقت الدولتين على استئناف علاقاتهما الدبلوماسية الكاملة بعد مرور أكثر من 4 سنوات من إقدام حكومة أديس أبابا على قطعها مع الدوحة، بدعوى أن الأخيرة «تنتهج سياسًة معاديًة» لها، لكن يبدو أن المرحلة الأخيرة تشهد تطورًا ملحوظًا في العلاقات. ووسط الأجواء المشحونة المصاحبة لزيارة أمير قطرلأديس أبابا، إلا أن صفقات التعاون التنموي والاقتصادي بين البلدين تعطي مخرجًا لتجنب الحديث عن أي دوافع أخرى قد تكون مصر محورها، حيث قالت السفارة القطرية بإثيوبيا إن الزيارة تستهدف مناقشة العلاقات الثنائية وسبل تعزيز مجالات التعاون بين البلدين، إضافة إلى جملة من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. ووقعت قطر وإثيوبيا في ديسمبر الماضي، 11 اتفاقية تعاون في مجالات اقتصادية عدة، على هامش زيارة وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني لأديس أبابا، فيما تنوعت الاتفاقيات في قطاعات السياحة والاستثمار والبنية التحتية ودعم التقارب الثنائي بين رجال الأعمال والمال في البلدين وسبل تعزيز التعاون في مجال السلم والأمن على المستويين الدولي والإقليمي.