ركزت دائرة الأخبار الدولية في تغطيتها لأزمة اللاجئين على العبء الذي تواجهه بلدان جنوب أوروبا، وفي أعقاب اتفاق الاتحاد الأوروبي مع تركيا في العام الماضي، والذي حصلت أنقرة في مقابله على أموال من الاتحاد، تراجعت الهجرة عبر بحر إيجة، وتم تخفيف جزء من الهجرة على اليونان، ومع ذلك لا تزال بلدان جنوب أوروبا ولا سيما إيطاليا من بين أكثر البلدان تضررًا من تدفق المهاجرين الوافدين عبر البحر المتوسط. ومع تركيز الضوء الإعلامي على مهمة أوروبا في مواكبة موجات المهاجرين، يتم تجاهل دور المتاجرين بالبشر واستغلالهم في مسألة الهجرة، حيث تمكنت عصابات الاتجار بالبشر من الاستفادة من نظام الهجرة من إفريقيا إلى أوروبا، خاصة مع عدم الاستقرار السياسي، وأكبر مثال على ذلك هو تمكين المهاجرين النيجيريين الهاربين من جماعة بوكوحرام من الوصول إلى أوروبا والبحث عن مكان أكثر أمنًا، وخلال الهجرة يذهب هؤلاء المهاجرين أولًا إلى ليبيا. وبدلًا من ردع المهاجرين عن عدم المرور عبر ليبيا، فإن عدم الاستقرار السياسي في الدولة الشمال إفريقية ساعد العصابات في توفير قنوات لمرور المهاجرين، واستفادت هذه الجماعات من كونها القوة الوحيدة القادرة على نقل الناس عبر ليبيا. كافحت إيطاليا بشكل كبير عصابات الاتجار بالبشر، إلا أن الحكومة الإيطالية أرهقت بشكل كبير، وفي كثير من الأحيان تراجعت عن التحقيق مع هذه العصابات. في 2 فبراير وقع رئيس الوزراء الإيطالي باولو جنتيلوني، ورئيس الوزراء الليبي فايز السراج، مذكرة تفاهم؛ في محاولة لمكافحة هذه الهجرة غير القانونية إلى أوروبا عبر البحر المتوسط وتخفيف عبء الهجرة إلى إيطاليا. هذا الاتفاق المدعوم من الاتحاد الأوروبي تم توقيعه لموسم الربيع الذي تتوسع فيه الهجرة، وفي اليوم التالي اتفق الزعماء الأوروبيون الذين اجتمعوا في مالطة على هذه الخطة، التي ستحصل الحكومة الليبية بموجبها على مبلغ 215 مليون دولار من التمويل لتعزيز حرس السواحل، على أمل أن تكون أكثر قدرة على اعتراض وتنظيم قوارب تهريب الأشخاص لأوروبا. في الواقع هذا الاتفاق يهدف إلى تخفيف العبء عن إيطاليا والاتحاد الأوروبي دون ضمان التعاون مع السلطات الليبية والحفاظ على مبادئ حقوق الإنسان. مذكرة التفاهم بين ليبيا وايطاليا تتشابه مع التي عقدها الاتحاد الأوروبي مع تركيا في العام الماضي، ولكن الاختلاف بين ليبيا وتركيا واضح، فقد حقق اتفاق الاتحاد بعض النجاح، وحد من تدفق اللاجئين مع الحفاظ على معايير القانون المعترف به دوليًّا، ومع ذلك كانت هناك نقاط تتعلق بحقوق الإنسان، إلا أن الشيء نفسه لا يمكن أن يقال عن ليبيا، حيث عدم الاستقرار السياسي وخطر الاستغلال وانتهاكات حقوق الإنسان. والأهم من ذلك أن الصفقة المدعومة من الاتحاد الأوروبي بين إيطاليا وليبيا تعمل تحت افتراض إشكالي بأن الحكومة الليبية يمكن الاعتماد عليها بلا شك لدعم القانون الدولي ومعايير حقوق الإنسان، ولكن تجدر الاشارة الى أن ليبيا تمر بحالة حرب أهلية وصراع منذ اغتيال معمر القذافي في عام 2011، الأمر الذي ترك البلاد أساسًا بدون هيئة مركزية راسخة، وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء يحظى بدعم دولي، إلا أنه لا يحظى بدعم داخلي، مما يبرر استمرار الحرب الأهلية بين ثلاثة أطراف متنافسة. في أفضل الأحوال فإن إدارة السراج لديها سيطرة محدودة على أرضها، ولكن لا يمكن الاعتماد عليها في الاتحاد الأوروبي بشأن الهجرة، وبالنظر إلى القدرة الواضحة لأرباب الجريمة والمتاجرين بالبشر على التلاعب الفعال والمربح بالمناخ السياسي القائم في ليبيا، نجد أنه من الواضح أن حكومة السراج ليس لديها القدرة ولا النفوذ المحلي لممارسة السيطرة اللازمة على أراضيها لدعم هذا الاتفاق بشكل فعال. الاتفاق المدعوم من الاتحاد الأوروبي بين إيطاليا وليبيا فشل في التصدي مباشرة للسبل التي استغلها المتاجرون بالبشر والمناخ السياسي الحالي في ليبيا ونظام الهجرة، وبدلًا من التركيز على ضمان السيطرة الفعالة على حدود ليبيا الخارجية ووقف التدفقات غير المشروعة في الاتحاد الأوروبي (كما ورد في إعلان الاتحاد الأوروبي بشأن الهجرة)، ربما يجب على الاتحاد الأوروبي أن يحول جهوده نحو إيقاف احتكار المتاجرين بالبشر والجنس نظام الهجرة بين ليبيا وإيطاليا، لأن هذه الاستراتيجية ستكون فعالة بنفس القدر. تستطيع إيطاليا والاتحاد الأوروبي مواصلة محاولاتهما لإغلاق حدود كل من ليبيا وإيطاليا، ومع ذلك فإن نجاح منظمات الاتجار بالبشر المنظمة للغاية يدل على أنها أكثر من قادرة على إيجاد طريقة جديدة للتلاعب في النظام، ومن خلال تبني نهج مكافحة الاتجار بالبشر في كل من ليبيا وكذلك في أوروبا، ستتاح الفرصة أمام إيطاليا والاتحاد الأوروبي للتخفيف بشكل مستديم من عبء الهجرة على إيطاليا، مع التمسك في الوقت نفسه بمعايير حقوق الإنسان. المصدر: اضغط هنا