إن كنت ممن يتابعون بدقة القنوات المصرية قبل وبعد وأثناء الثورة، ستدرك معنى أن تكون قبل الثورة لا تملك قنوات تهتم بالشأن العام نهائياً حتى أن الأحداث التي كانت تقع آنذاك كان المصريون يتابعونها من القنوات الخارجية، مروراً بانفراجة كبيرة حدثت بعد الثورة وأصبح عدد القنوات التي تتابع الشارع المصري لا تحصى. أما الآن لن تجد أكثر من برنامج أو اثنين على أقصى تقدير يحاولون الحديث على استحياء عن متطلبات المصريين، وإن فقد أحدهم عقله ورأى أن الوضع على أرض الواقع مأساوي سيكون مصيره مثل غيره ممن أغلقت برامجهم تحت مسميات عدة. أكبر ثلاث قنوات مصرية على النايل سات، خريطة برامجها الترفيهية تجاوزت 15 برنامجًا؛ بما يعني أنك إذا جلست أمامهم سوف تمر جميع أيام عمرك تشاهد اللاشيء، وتخرج باستفادة صفر في المائة من برامج تكفي ميزانيتها لسد جوع المواطنين الذين يقبعون تحت خط الفقر بخطين. يمكنك على سبيل التقييم متابعة هذه البرامج لمدة أسبوع واحد فقط لرؤية محتواها وما تقدمه، لن تجد سوى «كلام» عن طريق استضافة ممثلين ومطربين وبعدها الحديث عن مواقف يتخللها بعض الإفيهات المكررة، حتى أن الضيوف أصبحوا مكررين لدرجة وصلت إلى أن مقدمي البرامج يستضيفون بعضهم بعضا. «الكلمة وليدة هم الناس».. قالها الشيخ إمام منذ ثلاثة عقود، وإن لم تكن كذلك تعبر عن معاناة المواطنين وأحوالهم وتكون مرآة لواقعهم فلا داعي منها. يبدو جلياً وواضحاً ولا سبيل لإنكار وجوده، أن من يقومون على حكم بلدنا كافة يتبعون نهجاً تجاه شعوبهم يحد من تفكيرهم ويعمل على تقزيمهم وشل عقولهم إذا حاولت يوماً أن تفكر، يسطحون اهتمامات المواطن حتى لا يتساءل عما يحدث له. لم يقف الأمر عند حد الإلهاء فقط؛ في هذه البرامج، وصل الأمر إلى أن قضايا إنسانية مثل القضية الفلسطينية أصبح دعمها يكون من خلال التصويت لشخص ما داخل هذه البرامج وليس التحرك ممن ينفقون أموالهم على تلك القنوات، والأزمة السورية التي أصبحت مأساة إنسانية بسبب ما تقوم به العصابات المسلحة، أصبح دعمها هو احتضان طفل على الهواء جاء للغناء والدعاء عن المتسبب في الفضاء السرمدي. ما نعرفه عن البرامج الترفيهية أنها تتواجد في مجتمعات حصلت على حقوقها الأساسية بشكل شبه كامل، ومن ثم اتجهت إلى الحقوق لما هو أعلى، وهو الحق في الرفاهية، ولكن ماذا عن مجتمعنا هل حصل على نصف حقوقه من الأساس. بالأرقام وبالاستناد إلى مصادر رسمية، فإن 27 % من المواطنين، أي ما يعادل 30 مليون مواطن لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الأساسية ويقبعون تحت خط الفقر، في بلد يعاني من ارتفاع معدل التضخم، الذي وصل إلى 33.1%، ومعدل بطالة طبقاً لآخر بيان رسمي 12.7%. إذا لماذا كل هذا الكم من البرامج الترفيهية في مجتمع يحتاج إلى تلبية احتياجاته الأساسية؟ ولماذا ضخ كل هذه الأموال في لاشيء، ما ينتج عنه جيل لا يهتم أيضاً بأي شيء؟ وهل من الأولى أن نأكل أم نضحك؟ الذي أعرفه أن الذي لا يأكل لا يضحك.