حيثما سقطت داعش كثرت سكاكينها، هكذا يبدو حال التنظيم الإرهابي الذي بدأ يترنح في الشام والعراق، وبما أن الحديث يدور عن القضاء على هذا التنظيم سيئ السمعة في الرقة السورية، فهذا يقود بالضرورة لشرعية الحكومة السورية ومن تخولهم، بتولي مهمة القضاء على هذا التنظيم، فالحكومة صاحبة الأرض والجمهور من ناحية، ومن ناحية أخرى ليس هناك أدنى شك في أن التواجد العسكري للجيش العربي السوري في الرقة سيكون موجهًا ضد إرهاب داعش فقط، وبالتالي ستغيب أي اتهامات مزعومة عن قتاله للمعارضة السورية على الأقل في الرقة؛ لأنها معقل داعش الأخير، والمفترض أن جميع الأطراف العالمية والإقليمية والمحلية تصطف ضد داعش. أمريكا وحلفاؤها الأعداء أعلنت واشنطن الخميس الماضي أنها بصدد إرسال 400 جندي إضافي إلى سوريا؛ لدعم الهجوم على داعش في الرقة، وقال المتحدث باسم قوات التحالف الدولي في بغداد جون دريان "إن هذه القوات مؤقتة"؛ ليرتفع بذلك عدد القوات الأمريكية الموجودة في سوريا إلى نحو 900 جندي، وكانت صحيفتا نيويورك تايمز وواشنطن بوست قد أكدتا أن القوات الأمريكية بدأت بنشر بطاريات مدفعية؛ تمهيدًا لدعم الهجوم على تنظيم داعش في الرقة. التطور الأمريكي الجديد طرح مجموعة من التساؤلات، مثل: كيف استطاعت واشنطن التوغل في سوريا عسكريا في ظل التواجد الروسي في سوريا؟ ومن جهة أخرى كيف ستستطيع أمريكا توفيق التباينات الشديدة بين حلفائها في سوريا وهم قوات سوريا الديمقراطية وتركيا؟ منبج وحالة الاستعصاء منبج السورية في تقاطع نيران مختلفة، ومع إعلان واشنطن إرسال المزيد من جنودها إلى منبج الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية ذات الغالبية الكردية، للاستعداد لمعركة الرقة، فإن هذا يعني بطبيعة الحال بقاء الأكراد في المدينة رغم مطالب تركية متواصلة بانسحابهم إلى شرقي الفرات. وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، هدد بضرب قوات سوريا الديمقراطية في منبج، في حال عدم انسحابها من المدينة، تهديد يبدو أنه لا بد وأن يتجاوز عقبة الانتشار الأمريكي الجديد في المدينة، وهو الانتشار الذي أكد مسؤولون أمريكيون أنه تم لمنع وقوع مواجهات بين أصدقاء الولاياتالمتحدة، وبالتالي لن تستطيع أنقرة استهداف قوات سوريا الديمقراطية في منبج وقوات خاصة أمريكية متواجدة فيها. ويبدو أن أنقرة بحثت عقبتي واشنطنوموسكو في اجتماع رؤساء أركان جيوش الدول الثلاث في لقاء عقد في أنطاليا التركية يوم الثلاثاء الماضي دون التوصل إلى نتائج محددة. وما يصعب الوضع على أنقرة أن الناطق باسم قوات سوريا الديمقراطية، طلال سلو، قال إن الأكراد طلبوا من واشنطن استبعاد أنقرة من معركة الرقة، لأن قواتها محتلة للأرض السورية، وهو استبعاد يبدو أن واشنطن تؤيده وتخطط للمضي قدمًا في معركة الرقة بالاعتماد على قوات سوريا الديمقراطية والغطاء الجوي الأمريكي وقوات برية أمريكية قد تجلب من الكويت التي أعلن البنتاجون أنه يدرس إرسال 1000 جندي إليها تحسبًا لأي طوارئ في الحرب على داعش. ويرى خبراء عسكريون أن واشنطن لا تستطيع التخلي عن الدور التركي بالمطلق أيضًا، فحتى هذه اللحظة هناك تهديدات تركية بإيقاف النشاط العسكري للقوات الأمريكية في قاعدة أنجرليك التركية، لكنه حتى الآن لم يترجم على أرض الواقع، وإذا انغمست أمريكا في عمليات عسكرية في سوريا فإنها تحتاج أيضًا لتركيا في عمليات الإمداد البري، وفي حال منع تركيا طرقها البرية عن واشنطن، قد تلجأ حينها واشنطن لطرق الإمداد القادمة من كردستان، ما قد يقلل من مرونة التحركات الأمريكية في سوريا، ولكن في جميع الأحوال يبدو التوفيق بين أنقرة والقوات الكردية مهمة شبه مستحيلة، فكلا الطرفين لا يتقبل الآخر. أنقرة والجيش السوري يبدو أن تركيا في وضع لا تحسد عليه في سوريا، فبغض النظر عن خلافها مع قوات سوريا الديمقراطية، تواجه أنقرة عقبة ثانية ومزدوجة، تتمثل في سيطرة الجيش العربي السوري على قرى الريف الشرقي المحيطة بمدينة منبج بالتنسيق مع قوات سوريا الديمقراطية وبدعم موسكو لذلك، ما يخلق حاجزًا جديدًا بين قوات المعارضة السورية المدعومة تركيًّا والمعادية لقوات سوريا الديمقراطية ومدينة منبج. من ناحية أخرى استطاع الجيش السوري وحلفاؤه اجتياز مطار كشيش، وأكمل الطوق من مطار كويرس في حلب حتى بحيرة الأسد في محافظة الرقة، وهذا يعني أن الطوق الذي انطلق من كويرس ثم اتجه شرقًا ووصل إلى بحيرة الأسديؤكد أن الجيش العربي السوري حقق ثلاث مزايا استراتيجية كبيرة ستؤثر بشكل قاطع على مجريات الأمور، فأولًا طوق الجيش السوري الحركة التركية التي كان يعد لها انطلاقًا من الباب باتجاه الرقة، وأقام طوقًا محكمًا يمنع الأتراك من التمدد جنوبًا، وبالتالي أخرجهم من معادلة الرقة. والأمر الثاني أن الجيش السوري اخترق نقطة الثقل النوعي للمثلث القائم ما بين دير حافر ومسكنة وخسفة في الريف الشرقي لحلب، والتي كانت تحت سيطرة داعش، وهذا يؤدي إلى قطع طرق التواصل بين رؤوس المثلث، ما يعني أن هذه البلدات أصبحت في حكم المحررة من داعش، وهو الأمر الذي يمهد للميزة الثالثة، فهذه المنطقة أقام فيها الجيش السوري نقاط ارتكاز وقاعدة انطلاق للاتجاه جنوبًا نحو معركة الرقة، وهو الأمر الذي قد يعقد الأمور مع الجانب الأمريكي، فحتى هذه اللحظة تحاول أمريكا أن توحي بأن الرقة هي من نصيبها وهي التي ستسيطر عليها، لكن تحركات الجيش السوري حول الرقة بوصوله إلى الضفة الغربية لبحيرة الأسد واستعداده للتقدم باتجاه الطبقة شمال الرقة يوحي بشيء أخر، خاصة أن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة بالتواجد العسكري في سوريا لم تأتِ بالتشاور مع دمشق بشكل مباشر، ولكن يجب الأخذ بالاعتبار أن الحكومة السورية طالما رحبت بأي جهد لمكافحة الإرهاب بشرط التنسيق معها، وهو الأمر الذي قد لا يلغي بالمطلق وجود نافذة ولو صغيرة لتنسيق بين دمشقوواشنطن من خلال روسيا، خاصة أن الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، لم يبدِ اهتمامًا برحيل الرئيس السوري، بشار الأسد عن السلطة في سوريا، وأعطى الأولوية لمحاربة داعش، ومؤخرًا أعلنت خارجيته أن مصير الأسد يحدد عبر المفاوضات، وهو الأمر الذي يتسق مع الرؤية الروسية والتي تدعم ضمنيا بقاء سوريا المؤسسات، وبطبيعة الحال لن تقف موسكو متفرجة على ما يحدث بالرقة دون تنسيق الخطوات مع واشنطن.