استشهد أمس الأثنين، الشاب المُطارد منذ سنوات "باسل الأعرج" خلال اشتباك مسلح مع قوات الاحتلال، وذلك بعد أن اقتحمت القوات منزله وسط رام الله، وأعلنت مصادر عبرية أن قوات الاحتلال مُعززة بقوات كبيرة، داهمت محافظة رام الله والبيرة فجرًا، وقامت باقتحام منزل "الأعرج" وخلال الاقتحام اندلعت مواجهات عنيفة بين الشبان وجنود الاحتلال في محيط المنزل، أصيب خلالها عدد من الشبان بإصابات متوسطة في الأطراف، فيما نقلت إصابتين إلى مجمع رام الله الطبي، وأطلقت القوات الأعيرة النارية الكثيفة على الشاب الفلسطيني مما أسقطه شهيدًا، وعُثر بحوزته على بندقية "ام 16" وكارلو، وفق زعم القناة العاشرة الإسرائيلية، وقد احتجزت قوات الاحتلال جثمان "الأعرج". قال شهود عيان فلسطينيين، إن آثار الدماء والرصاص الكثيف الذي أطلقه الجنود تملأ المكان، وأضاف البعض أن الشهيد الأعرج رفض الاستسلام لأكثر من 50 جنديًا إسرائيليًا حاصروا بيته، وأصر على مقاومتهم لأخر نفس لفظه وأخر رصاصه كانت في جعبته، واستمرت الاشتباكات بين الشهيد والاحتلال لأكثر من ساعتين. السلطة الفلسطينية.. أصابع اتهام حمّل بعض السياسيين والمراقبين السلطة الفلسطينية والقوات الأمنية مسؤولية مقتل الشهيد "الأعرج"، حيث أرجع البعض معرفة الجيش الإسرائيلي بوجود "الأعرج" في منزله إلى التنسيق الأمني المستمر بين أجهزة السلطة الأمنية الفلسطينية والجيش الإسرائيلي، الأمر الذي يجعل استشهاد الأعرج وصمة عار جديدة على جبين السلطة الفلسطينية التي لاتزال تتمسك بخيار التنسيق الأمني مع إسرائيل، خاصة أن صحيفة "معاريف" العبرية قالت إن "السلطة ساعدت في البحث عن الأعرج منذ اختفائه قبل أشهر".
اعتبرت حركة حماس استشهاد الشاب المقاوم "واحدة من حلقات انتفاض الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية ضد الاحتلال الإسرائيلي، واستمرار لحالة التمرد على المستعمر للأرض والمقدسات"، وقال المتحدث باسم حماس، حازم قاسم: الفعل الاستشهادي يثبت مرة أخرى أن انتفاضة القدس قرار فلسطيني نهائي بالحصول على الحرية، وأن الشباب الفلسطيني على استعداد لدفع ثمن الحرية من دمهم الطاهر، وأضاف: على السلطة وقف سياسة الاعتقال السياسي، والتنسيق الأمني الذي يعرقل حالة النضال الفلسطينية، كما فعلت حينما اعتقلت سابقًا الشهيد الأعرج. ومن جانبه قال القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، خضر عدنان، إن الشهيد "باسل الأعرج" يُعد مقاومًا استثنائيًا مَثَل بهمته كل شاب فلسطيني يتطلع لزوال الاحتلال الإسرائيلي عن أرضنا ومقدساتنا. نعي الأعرج لم يتوقف على الفصائل الفلسطينية والسياسيين فقط، بل وصل إلى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث غرد النشطاء على هاشتاج "#الثائر_باسل"، معبرين عن فرحهم واعتزازهم بالشهيد الأعرج الذي يمثل قصة مثقف كافح عنجهية الاحتلال، حتى أثبت للعالم أجمع بأن الشعب الفلسطيني كله يقف خلف برنامج المقاومة، ورفع المشاركون بالهاشتاج عشرات الصور والفيديوهات عن حياة الشهيد وكيفية استشهاده، معبرين في الوقت ذاته عن غضبهم الشديد من اختفاء الأجهزة الأمنية التابعة لسلطة رام الله خلال استشهاد الأعرج. من هو الأعرج؟ باسل الأعرج، ولد عام 1985، وهو ابن قرية الولجة قرب بيت لحم المحتلة، درس الصيدلة في إحدى الجامعات المصرية، وعمل الأعرج لفترة في مجاله كدكتور صيدلي قرب القدس، إلا أنه اتجه إلى الأنشطة الثقافية والاجتماعية والسياسية سريعًا ما دفعه إلى الابتعاد عن مهنته الأساسية. نشاطات الأعرج السياسية والاجتماعية والثقافية كثيرة لدرجة تجعل من الصعب حصرها، حيث عمل في مشروع لتوثيق أهم مراحل الثورة الفلسطينية منذ ثلاثينيات القرن الماضي ضد الاحتلال البريطاني وصولًا للاحتلال الإسرائيلي، وذلك من خلال تنظيم رحلات ميدانية لمجموعات شبابية متنوعة للتعريف بها على أرض الواقع، كما كان ناشطًا جماهيريًا يمتلك شعبية كبيرة، حيث تصدر المظاهرات الشعبية الداعمة لمقاطعة الكيان الإسرائيلي، ومن أبرزها الاحتجاجات على زيارة وزير الحرب الاسرائيلي السابق، شاؤول موفاز، عام 2012، حيث تعرض للضرب من الأمن الفلسطيني وأصيب على إثرها بجراح. في المجال الثقافي، فقد تمتع الأعرج بثقافة واسعة صقلت شخصيته في مخاطبة الشباب الفلسطيني والحديث معهم في القضايا الوطنية الفلسطينية، حيث يقول أصدقاؤه أنه كان من الأشخاص المثقفين بالجغرافيا وتاريخ الأرض والمقاومة، وكان في كل رحلة تجوال لديه العديد من التاريخ السردي للمنطقة، عن المعارك والفدائيين الذين استشهدوا فيها، ووصفه أحد أصدقاؤه بأنه يحمل ثقافة جمعها من الكتب والرواية الشفهية وكثير من القصص التي كان يرويها موثقة في كتب التاريخ المحلي، كما أن "الأعرج" كان صديقًا لجميع الصحفيين الفلسطينيين، وكان يوجه الكثير منهم لمقابلة فلسطينيين لديهم تاريخ شفوي مهم في مقاومة الاحتلال البريطاني ومعارك النكبة. اشتهر الأعرج بمقالاته العميقة الداعمة للمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، والداعية لمقاطعة جميع أشكال الحياة معه في فلسطين وخارجها، ومن أهم التدوينات المسجلة للأعرج حديثه عن حرب العصابات بوصفها "قاطع طرق بمشروع سياسي"، إضافة للمراحل التي مرت بها ثورة 1936، وفي كتيبة الجيش العراقي التي قاتلت في فلسطين عام 1948، ونموذج ريف مدينة جنين في المقاومة قديمًا وحديثًا، وأهم عمليات المقاومة الحديثة عام 2002 في واد النصارى بمدينة الخليل. مُطاردة الشهيد قبل نحو عام، وتحديدًا في 30 مارس الماضي، اختفى الشاب الفلسطيني "باسل الأعرج" مع شابين آخرين هما محمد حرب وهيثم السياج، عن أعين الاحتلال والقوات الأمنية الفلسطينية التي كانت تبحث عنهم، وفي 9 إبريل الماضي، أعلنت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة اعتقالهم في قرية عارورة شمال رام الله، وذلك بعد اعتقال 3 آخرين من زملائهم والتحقيق معهم، وقالت السلطة حينها أنها ستحقق معهم كإجراء اعتيادي ومن ثم ستطلق سراحهم وستعيدهم إلى أهاليهم، إلا أن ذلك لم يحدث، حيث تعرض "الأعرج" ورفاقه لتعذيب قاسٍ خلال أربعة أشهر في زنزانة انفرادية، وقد تم منع الزيارات عنه وإدخال الكتب أو الدواء، الأمر الذي أدى إلى إضعاف جسده وتفاقم مرضه، حيث كان يعاني من حصوة في الكلى ومرض السكري، إلا أن "باسل" أصر على خوض معركة الأمعاء الخاوية من خلال الإضراب عن الطعام لمدة شهر، احتجاجًا على مواصلة احتجازه وزملاءه وتمديد اعتقالهم بشكل مستمر دون تقديم أي تفسير واضح، وفي التاسع من سبتمبر، قرر أمن السلطة الإفراج عن الشباب، ومن بينهم الأعرج، على إثر ضغوطات شعبية وحقوقية، ليعتقل الاحتلال بعدها بأسابيع أصدقاء "الأعرج" مجددًا ويصبح هو مطاردًا. منذ ذلك الحين عاد "الأعرج" لمطاردات قوات الاحتلال بالتعاون مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية، حيث حاول الاحتلال اعتقاله أكثر من مرة، فكانت الاقتحامات المتكررة لمنزله في الولجة وتهديد عائلته وسحب تصريح العمل من والده، هي الطريق الأوحد للصهاينة، إلا أن "الأعرج" رفض تسليم نفسه طوال هذه الفترة، الأمر الذي دفع مخابرات الاحتلال إلى تهديد والده أكثر من مرة باغتياله. استأجر "الأعرج" الشقة التي استشهد فيها، والتي تقع في وسط مدينة رام الله، قبل ثلاثة أشهر من مالكتها، حيث عرف نفسه للمالكه على أنه سويدي جاء لرام الله للعمل في شركة، وتقول السيدة التي استأجر منها الأعرج الشقة إنه كان يتكلم معها باللغة الانجليزية طوال الوقت، وأنه لم يكن يحمل هاتف محمول، وأنها طوال فترة استئجاره للشقة لم تراه يخرج أو يدخل إليها. وصية الأعرج رحل "باسل الأعرج" تاركًا وصية لشباب المقاومة الفلسطيني، حيث تم العثور عليها بخط يده بين كتبه ودفاتره، وكانت قصيرة للغاية، وقال فيها. تحية العروبة والوطن والتحرير أما بعد.. إذا كنت تقرأ هذا فهذا يعني أنني قد مت وقد صعدت الروح إلى خالقها وأدعو الله أن ألاقيه بقلب سليم مقبل غير مدبر بإخلاص بلا ذرة رياء، كم من الصعب أن تكتب وصيتك، ومنذ سنتين انقضت وأنا أتأمل وصايا الشهداء، لطالما جذبتني هذه الوصايا، مختصرة سريعة مختزلة فاقدة للبلاغة ولا تشفي غليلنا في البحث عن أسئلة الشهادة، وأنا الآن أسير إلى حتفي راضيًا مقتنعًا وجدت أجوبتي، كان من المفترض أن أكتب هذا قبل شهور، لكن ما أقعدني عن هذا أن هذا سؤالكم أنتم الأحياء فلماذا أجيب أنا عنكم، فلتبحثوا أنتم، أما نحن أهل القبور فلا نبحث إلا عن رحمة الله. نجاح الشاب الفلسطيني في التواري لمدة سنوات عن أعين قوات الاحتلال، ورفضه تسليم نفسه وإصراره على المقاومة حتى أخر وقت، مما يدل على نجاح الشاب المثقف في مقاومة الاحتلال، وفشل الاحتلال الإسرائيلي استخباراتيًا وعسكريًا، وعمالة السلطة الفلسطينية مع الاحتلال ضد المقاومة الوطنية، ليكون استشهاد "الأعرج" نهاية لمسلسل طويل من المطاردات عاشه الشهيد لمدة 7 أشهر.