يومًا بعد يوم يخفت بصيص الأمل، الذي كان يراه العديد من السياسيين والمراقبين في محادثات جنيف4، فمنذ اليوم الأول من المحادثات التي انطلقت الخميس الماضي، خرجت مؤشرات توحي بأن هذه المفاوضات لن تحقق الاختراق المتوقع تحقيقه، فبينما يجتمع المتنازعون على الطاولة في العاصمة السويسرية، يعلو صوت الميدان، وتمضي الحرب السورية نحو الحسم العسكري. مسار المفاوضات مع انطلاق الساعات الأولى من المفاوضات السورية- السورية برعاية الأممالمتحدة في جنيف، وعقب إتمام الافتتاحية، أعلن المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، أنه سيجري لقاءات ثنائية مع الوفود المشاركة في المفاوضات؛ بهدف تحديد الصيغة التي ستجري بها المفاوضات، وبالفعل التقي في اليوم الثاني من المفاوضات رئيس الوفد الحكومي السوري، بشار الجعفري، كما التقى وفد الهيئة العليا للتفاوض، المنبثقة عن منصة الرياض للمعارضة السورية، وقد سلّم المبعوث الأممي كلا الطرفين أوراقًا تتضمن إطار المحادثات المقترح. وقالت مصادر سياسية مواكبة للمحادثات إن ورقة دي ميستورا تقترح تخصيص يوم واحد على الأقل خلال المفاوضات لكل من المواضيع الثلاثة التي اعتبرها الأكثر أهمية، وهي ملفات الإدارة والدستور والانتخابات، وتتضمن أيضًا تأكيده على دعم المحاولات للتوحيد والانفتاح على مفاوضات مباشرة، وعرض المبعوث الأممي أيضًا ترك مسائل مكافحة الإرهاب والالتزام بوقف إطلاق النار لمفاوضات آستانة، واعتماد معادلة "لا اتفاق على شيء ما لم يتم الاتفاق على جميع الأمور". تفجير حمص المفاوضات السورية تعقدت أكثر تحت ضغط الميدان؛ ففي اليوم الثاني من المفاوضات، وقعت تفجيرات إرهابية في حي الوعر بمدينة حمص، استهدفت مقرين أمنيين، هما الأمن العسكري وأمن الدولة ومناطق مجاورة لهما، وتسببت في استشهاد 42 قتيلًا وإصابة العشرات من المدنيين والعسكريين، وقد تبع هذه التفجيرات اشتعال الميدان السوري، حيث وجه سلاح الجو في الجيش السوري ضربات عدة لمسلحي جبهة النصرة، وشن الطيران أكثر من عشرين غارة على مواقع المسلحين في حي الوعر، ردًّا على الهجمات الإرهابية الانتحارية. وتعليقًا على هذه التفجيرات، قال رئيس وفد سوريا إلى محادثات جنيف، بشار الجعفري، إن ما حصل رسالة إرهابية إلى محادثات جنيف، وموجهة إلى المبعوث الأممي والأمم المتحدة وما يسمى المجتمع الدولي، ولفت إلى أن ما حصل في حمص ألقى بظلاله على جنيف، وهو ليس عملًا إرهابيًّا عسكريًّا فقط، إنما عمل إرهابي سياسي أيضًا، وتابع: طلبنا من المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا إصدار بيان يدين التفجيرات الإرهابية الانتحارية التي قامت بها جبهة النصرة الارهابية وشركاؤها في حمص، وشدد رئيس وفد سوريا على أن من يرفض إدانة العمل الإرهابي في حمص شريك في الإرهاب، وسنتعامل معه على هذا الأساس. في إطار المفاوضات، قال الجعفري: الورقة التي تسلمناها من دي ميستورا لم نصل إليها بعد، لأننا ما زلنا نتحدث عن أولوية مكافحة الإرهاب، وأوضح: لا يوجد لدينا شروط سوى أن نجد معارضة موحدة ضمن وفد يجلس مع وفد الجمهورية العربية السورية، كوفد يدين الإرهاب، ولا يبرره، ولا يعمل لصالح أجندة خارجية، وتابع: تم تحديد الجلسة القادمة مع دي ميستورا، وستكون يوم الثلاثاء. توالت ردود الفعل على مطالبات الجعفري جميع المشاركين في المفاوضات السورية بإدانة الإرهاب في حمص، حيث أكد رئيس الوفد السوري المعارض "منصة الرياض"، نصر الحريري، أن مواقف المعارضة واضحة وصريحة في إدانة كل الإرهاب والإرهابيين، وقال الحريري: مواقفنا واضحة وصريحة، ندين داعش والقاعدة وكل من ارتبط بأي أجندة غير وطنية وغير سورية، فيما أدان وفد "منصة موسكو" للمعارضة السورية التفجيرات أيضًا، وقال في بيان إن الوفد يدين كل أشكال الإرهاب وكل جرائمه، ونذكر مرة أخرى أننا كنا من أوائل من طالب بالحل السياسي؛ لوعينا الكامل بأن تأخره واستمرار الأزمة سيخلقان تربة صالحة لنمو الإرهاب المدعوم دوليًّا، واعتبر الوفد أن المستهدف الأساسي بجرائم اليوم هو محادثات جنيف نفسها، ومن ورائها الحل السياسي الذي يشكل سلاح التدمير الشامل الحقيقي في وجه الإرهاب، والذي يثير الرعب في قلوب رعاة الإرهاب ومموليه. من جانبها، وجهت وزارة الخارجية السورية رسالتين للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن حول الهجمات الإرهابية الهمجية، حيث أكدت أن حكومة الجمهورية العربية السورية تجدد مطالبتها الأمين العام ومجلس الأمن بإدانة هذه الأعمال الإرهابية ومضاعفة العمل لتوحيد جهود المجتمع الدوليح للقضاء على الإرهاب ومعاقبة الدول الداعمة له، وأضافت: هذه الأعمال الإرهابية الوحشية لن تثني سوريا عن القيام بدورها في مكافحة الإرهاب، الذي يمثل تهديدًا لجميع السوريين وللأمن والسلم في المنطقة والعالم. «درع الفرات» تفتح «الباب» في 24 فبراير الجاري، أعلن رئيس هيئة الأركان التركية، الجنرال خلوصي أكار، تحرير مدينة الباب السورية من يد تنظيم داعش، ليكتمل الهدف التركي بتحرير الشريط الحدودي من التنظيم الإرهابي ومنع سيطرة الأكراد السوريين عليها، الأمر الذي يمهد لتحقيق الحلم التركي بإقامة منطقة آمنة على الحدود التركية السورية على خمسة آلاف كيلومتر مربع، وهو ما ترفضه كل من روسياوسوريا وإيران، الأمر الذي دفع البعض إلى طرح احتمالات حدوث مواجهات تركية- روسية سورية قريبًا، وهو ما يشير إلى اشتعال الميدان على الحدود بين الطرفين. لم تكتفِ أنقرة بدخول مدينة الباب رغم التحذيرات السورية، لكن أعقب الإعلان عن نجاح عملية درع الفرات في الدخول إلى "الباب"، إعلان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، عن استعداد بلاده للمشاركة في عملية تحرير مدينة الرقة وأراضي سوريا كافة، وأوضح الوزير التركي أن أنقرة بحثت خطوات مقبلة في سوريا وفي مدينة الرقة، بالتحديد مع فرنسا وألمانيا وبريطانيا، مضيفًا: بمشاركة الوحدات المحلية والتخطيط الصائب، بإمكاننا تحرير أراضي سوريا من مسلحي داعش بسهولة، وأشار "جاويش أوغلو" إلى ضرورة تحرير مدينة منبج، حيث تنشط وحدات حماية الشعب الكردي، التي تعتبرها أنقرة تنظيمًا إرهابيًّا، وقال: نتوقع من واشنطن خطوات ترمي إلى إخراج وحدات حماية الشعب الكردي من منبج، وسنخطط لاحقًا للعملية على الرقة. المعارضة السورية.. خلافات متجددة خلافات المعارضة السورية، التي سبق أن ظهرت في كافة المفاوضات والمحادثات السابقة، عادت مجددًا إلى الظهور في محادثات جنيف أيضًا، حيث سيطرت حالة من الانقسام والتشرذم على المعارضة، التي أصبحت كل مجموعة لها تتبع ارتباطاتها الخارجية، وتبحث عن تطبيق أجندة الدولة التي مولتها، حيث حاولت المعارضة السورية إيجاد طريقة للخروج بوفد موحّد يجلس على طاولة التفاوض المباشرة مع الوفد النظامي السوري، إلا أنها فشلت، وهو ما أكدته مصادر متابعة للمحادثات هناك، حيث قالت إن الاجتماع الذي عقدته منصتا القاهرةوالرياض في جنيف، الجمعة الماضية، لتشكيل وفد موحد، لم يصل إلى نتائج. في ذات الشأن، قال عضو وفد الهيئة العليا المعارضة "منصة الرياض"، خالد المحاميد، إن المعارضة تسعى إلى أن يكون هناك وفد واحد وليس موحدًا، موضحًا أن لجانًا تشاورية ستُشكَّل للتواصل مع منصتي القاهرةوموسكو؛ لإيجاد صيغة والتفاهم على آلية، وأضاف أنه من الممكن رؤية أعضاء من منصتي القاهرةوموسكو ضمن وفد الهيئة العليا، إذا وقّعوا على مخرجات مؤتمر الرياض التي تمثل ثوابت الثورة. من جانبه، أكد عضو وفد "منصة القاهرة"، جمال سليمان، أن هذه المجموعة تسعى إلى تشكيل وفد موحد للمعارضة، مضيفًا: نحن لا ندعو أحدًا للذوبان فينا، ولا نذوب في أحد، وأضاف أنَّ "دي ميستورا" كان يركز على إنجاز أكبر قدر من التقارب بين منصات المعارضة المختلفة، ونحن أجبنا بأننا نعمل من أجل ذلك، وقطعنا شوطًا من الحوارات غير الرسمية مع بعض الأعضاء في الهيئة العليا، ومع زملائنا في منصة موسكو، ونود مواصلة ذلك.