أثار أول تعديل وزاري بتونس أجراه رئيس الحكومة يوسف الشاهد، أمس السبت، جدلا واسعًا داخل الأوساط التونسية، وسط تحذيرات من قبل منظمات سياسية تتخوف من عودة البلاد إلى مربع التصادم والمواجهة والفوضى، فبينما رحبت حركة النهضة بالتعديل واعتبرته مناسبا انتقدته الكثير من الأحزاب والنقابات، لا سيما وأنه لم يراع مطالبهم التي أعلنوها في الفترة الأخيرة. التعديل الوزاي جاء مفاجئا أولا من حيث توقيته، حيث لم يمر على تشكيل الحكومة إلا 6 أشهر، كما أنه شمل تغيير وزارتين وحقيبة وزير دولة، بعد إعلان وزير الوظيفة العمومية عبيد البريكي، المحسوب على الاتحاد العام للشغل، نيته الاستقالة. وقالت الحكومة في بيان لها إن الشاهد "قرر إجراء تعديل وزاري تم بمقتضاه تعيين أحمد عظوم، وزيرا للشؤون الدينية، وخليل الغرياني وزيرا للوظيفة العمومية والحوكمة، وعبداللطيف حمام، كاتب (وزير) دولة للتجارة". ما أثار رفض النقابات العمالية في تونس هو عدم خضوع رئيس الحكومة يوسف الشاهد، إلى الضغوط الممارسة ضده لإقالة وزير التربية ناجي جلول، القيادي في حزب «نداء تونس»، والذي لطالما طالبت نقابات التعليم بإقالته مع تهديدها بسنة دراسية «بيضاء»، ما يفتح الباب أمام موجة جديدة من الصراع بين المنظات النقابية والحكومة. واعتبر الاتحاد العام التونسي للشغل التعديل الوزاري تجاوزا ل«وثيقة قرطاج» التي وقعت العام الماضي، بمشاركة الاتحاد؛ ل«عدم تجاوبه مع مشكلات الواقع الحالي»، وفي بيان نشره الاتحاد على صفحته الرسمية بموقع «فيسبوك»، قال أمينه العام المساعد، سامي الطاهري إن اتحاد الشغل لم يستشر في التعديل الوزاري، و«في ذلك الكثير من التجاوز لوثيقة قرطاج»، مؤكدًا أن «الشاهد حاول التهرب من المشكلات وعدم مجابهتها، ومنها الواقع المحتقن الذي تعيشه وزارة التربية». وتعتبر وثيقة قرطاج القاعدة التي على أساسها تم تشكيل حكومة يوسف الشاهد، التي أطلق عليها اسم «حكومة الوحدة الوطنية»، والتي نالت ثقة مجلس النواب ب167 صوتا في أغسطيس الماضي وحضرها 194 نائبا من أصل 217 نائبا. ووقع على تلك الوثيقة رؤساء 9 حركات وأحزاب سياسية هي حركة النهضة، وحركة نداء تونس، وحركة مشروع تونس، وحركة الشعب، وحزب الاتحاد الوطني الحر، وحزب آفاق تونس، والحزب الجمهوري، وحزب المسار الاجتماعي الديمقراطي، وحزب المبادرة الوطنية الدستورية، بالإضافة إلى 3 منظمات وطنية هي الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة أرباب العمل)، والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري. ويخلف أحمد عظوم، في وزارة الشؤون الدينية عبدالجليل بن سالم، الذي أقالته الحكومة في نوفمبر 2016 بسبب «عدم احترامه لضوابط العمل الحكومي وتصريحاته التي مست بمبادئ وثوابت الدبلوماسية التونسية"، وسبق أن تولى عظوم مسؤوليات حكومية أهمها وزارة أملاك الدولة، وجاء خليل الغرياني، بدلا من البريكي، على رأس وزارة الوظيفة العمومية والحوكمة، والغرياني رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية في "الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية" وهي منظمة أرباب العمل الرئيسية في تونس. ولم يكن الاتحاد العام التونسي هو الوحيد الذي انتقد التعديل الوزاري، حيث وصف فوزي عبد الرحمن، القيادي بحزب آفاق تونس، التعديل الوزاري المذكور بأنه "تعديل صغير جدا" وليس تعديلا لتحسين الأداء، بل إنه "لن يغير كثيرا لا في النجاحات ولا في الفشل"، على حد تعبيره، كما أفادت الناطقة الرسمية باسم حزب الاتحاد الوطني الحر سميرة الشواشي، بأن إقالة وزير الوظيفة العمومية عبيد البريكي، تمت بطريقة مهينة محذرة من سيطرة التشنج السياسي. وأوضحت الشواشي، في تصريح صحفي، أن يوسف الشاهد أضاع آخر فرصة لإنقاذ وثيقة قرطاج بما كان سيمكن الأطراف السياسية من العودة إلى طاولة الحوار، مؤكدة أن التعديل تم بطريقة ارتجالية ودون تشريك الأطراف الممضية على وثيقة قرطاج. وفيما ندد الناطق باسم الوطني الحر بقرار إقالة البريكي وتعويضه بمنتسب لمنظمة الأعراف التي لها عدة ملفات مع الاتحاد العام التونسي للشغل، رحبت حركة النهضة الإسلامية على لسان نورالدين البحيري، رئيس كتلتها النيابية بالبرلمان، بالتعديل الحكومي الذي أجراه يوسف الشاهد، وقال البحيري "إنه بالدستور والقانون، فإن تشكيل الحكومة وتعديلها من صلاحيات رئيس الحكومة حسب ما تقتضيه مصلحة البلاد والعمل الحكومي"، كما أن تعيين أحمد عظوم، وزيرا للشؤون الدينية كرس مقولة "الرجل المناسب في المكان المناسب".