خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ليس خبرًا واحدًا، فقد ينعكس على أيرلندا، خاصة في الوقت الذي تواصل فيه رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، إصرارها على عدم الرجوع إلى الماضي، ولكن ما لم يذكره المصوتون على الخروج البريطاني هو الحدود الجديدة الكاملة المستقبلية للجزيرة. لن تعود بريطانيا إلى الطريقة التي اعتادت عليها قبل انضمام المملكة المتحدة وأيرلندا إلى المجتمع الاقتصادي الأوروبي في عام 1973، فهي ذاهبة إلى الأمام بدون قصد وبشكل عشوائي إلى تقسيم الجزر التي قد تكون أكثر أهمية عما قبل. في أحسن الأحوال، قد تظل الحدود بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي هي نفسها، ولكن على أسوأ الأحوال، قد تكون الحدود بين نظام ترامب العالمي الجديد وأوروبا مجرد كفاح من أجل بقاء أمة تحافظ على التحول الديمقراطي، ولكن لا يبدو أنه يوجد أحد يهتم بهذه الاحتمالات. السياسة الأيرلندية في حالة اضطراب، حيث يواجه رئيس الوزراء الأيرلندي، إندا كيني، مشكلات قد تقود لإنهاء فترة حكمه؛ بسبب فشل الحكومة في التعامل مع فضيحة الشرطي، موريس مكابي، وفي أيرلندا الشمالية، أنتجت الانتخابات فضيحة متساوية تقريبًا بشأن مبادرة نظام التدفئة المكلف (فضيحة برنامج فاشل للطاقة كلف دافعي الضرائب ما يقرب من 500 مليون جنيه استرليني بما يعادل600 مليون دولار). كلتا القضيتين مهمة، ولكنهما ليستا بحجم التهديد الذي يمثله خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لأيرلندا، وما هو على المحك حقًّا مكانة أيرلندا في العالم، فتلك الجزيرة التي عانت من شكوك كبيرة بشأن انتمائها تعود مرة أخرى للتفكير إلى أي مكان تنتمي في سياق جيوسياسي أصبح أكثر غموضًا. التأكيدات التي تقول إنه لن يكون هناك أي حدود صعبة بين الشمال والجنوب، حين استحوذ عليها الشمال بعدما كان الاتحاد الأوربي رافضًا لها. لم يكن من الضروري التفكير في نفس الشيء بالتفاصيل؛ لأن الأيرلنديين قد يدركون سريعًا أن أفضل رهان لهم هو اتباع القيادة البريطانية والخروج من الاتحاد الأوروبي، وحتى لو لم يفعلوا ذلك، فقد توافق طواعية السلطات الأيرلندية على العمل مع بريطانيا وإخضاع مطاراتها وموانئها لهم. خروج بريطانيا من الاتحاد له واقع فوضوي، وربما قد تفضل أيرلندا البقاء داخل الاتحاد الأوروبي، وبالتالي لن تكون حدودها خارجه، وحينها لن تختلف التعريفات الجمركية. حين تحاول المملكة المتحدة أن تعقد الصفقات التجارية مع ترامب، ما يريده هو وصول البضائع معفاة من الرسوم الجمركية إلى السوق البريطانية، وبالتالي ستكون رخيصة، وسيصل اللحم الأمريكي المحسن هرمونيًّا إلى سوق المملكة المتحدة. الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك أيرلندا، سيحافظ على التعريفة الجمركية 15% على اللحوم، ودون الضوابط الصارمة سيتمكن ترامب وبشكل سهل جدًّا من إرسالها إلى دوندالك، ومن ثم إلى الاتحاد الأوروبي كله، كما سيطبق ذلك على السيارات والصلب وأي شيء يتفاخر ترامب بصناعته في مقابل إنقاذ الوظائف الأمريكية فقط وخدمة مصالحه. هناك مشكلة أكبر على المحك، وهي عواقب حاجة بريطانيا لسوق يحل محل الاتحاد الأوروبي ليس اقتصاديًّا فقط، وحاليًّا تتغير الصفائح التكتونية التي تقوم عليها الهندسة المعمارية السياسية الراهنة، فحين تدرك بريطانيا أن الاتحاد الأوروبي لن يمنحها الكعكة كاملة، سيكون على الأرجح هناك رد فعل ضد الأوروبيين في بريطانيا. الحاجة إلى اتفاق تجارة سريع مع الولاياتالمتحدة سوف يمتص جاذبية المملكة المتحدة كاملة تجاه سلطوية ترامب؛ مما سيشكل تراجعًا لها عند المؤسسات الديمقراطية والليبرالية، وإذا حدث ذلك، فإن الحدود الأيرلندية لن تصبح نقطة اقتصادية فقط، ولكن مكانًا للحدود السياسية والهجرة، حيث تصبح حدودًا أيديولوجية. لا أحد يعلم إلى أين ستقود مناورة ترامب، ولكن لتجنبها، على أيرلندا البقاء داخل الاتحاد الأوروبي، باعتباره المنطقة الخاصة بها في التاريخ الحديث، لأن الانقسام سيكون جنونًا لجزيرة صغيرة كانت تحاول جاهدة الهروب من إرث القومية الضيقة. جارديان