في حوار لها مع جريدة الوطن، بتاريخ 20 يوليو 2012، تقول أميمة تمام زوجة أسامة الباز-مستشار مبارك الأسبق- أن زوجها كان يعلم أن الجيش المصري خطط لانقلاب عسكري في حالة توريث جمال مبارك. لم يكن تسليط الضوء على انتهاكات الداخلية قبيل يناير إلا جزءا من خطة تفكيك مشروع التوريث، عمدت مجموعة جمال مبارك إلى تقوية الداخلية، لإحداث نوع من توازن القوى مع الجيش، ووصل عدد أفراد الداخلية إلى ما يعادل 1.5 ضعف القوات المسلحة بالاحتياطي، وارتفعت ميزانية الداخلية كذلك إلى ثلاثة أضعاف الزيادة المقررة للجيش، كما انخفضت نسبة الإنفاق العسكري من الناتج المحلي من 19.5% في مطلع حكم مبارك إلى 2.2% في 2010. امتلك الجيش كافة الدوافع اللازمة للإطاحة بمبارك، تبّقى فقط صناعة الذريعة. كان عمر سليمان هو من يصنع الذريعة ويعمل على تضخيمها، سواء بإنشاء أذرع سياسية، أو بالسيطرة على وسائل الإعلام، ومنافسة بعض رجال أعماله لرجال جمال مبارك، ومنهم رجل الأعمال المسيحي الأشهر وقتذاك، الذي أخذ بدوره مهمة تمويل الحركات والأحزاب السياسية المناهضة للتوريث. وكما أشرنا في المقالة السابقة، كان يظن عمر سليمان أنه الرجل التوافقي بين الجيش ومجموعة جمال مبارك. جاءت لحظة 25 يناير بمثابة مفاجأة كبرى، حتى للشباب والقوى السياسية الداعية، وعلى رأسهم محمد البرادعي قائد الجمعية الوطنية للتغيير، حتى إنه أعلن عدم مشاركته في تظاهرات هذا اليوم، وبرر ذلك بحرصه على عدم سرقة المشهد من الشباب! كانت تكمن المفاجأة في التوقيت، وربما كان الجيش أقل تفاجئا، فقد سبق وأقر رسميا خطة لنشر القوات وتأمين المنشأت الحيوية للدولة في نهاية عام 2010. اعتصم المتظاهرون عدة ساعات، لكن فض قوات الداخلية للميدان استغرق عدة دقائق، وكان اليومان التاليان أكثر هدوءا، ونجحت قوات الداخلية في فض التظاهرات في العاصمة، لكن يبدو أن الجميع قرروا إلقاء كافة أوراقهم إلى الميدان في 28 يناير. المعركة في المقام الأول هي ميدانية، من يسيطر على الأرض يمتلك الغلبة، أدركت وزارة الداخلية انها بصدد معركة وجودية، أقر قياداتها الخطة 100، واستهدفت الخطة انتشار قوات الداخلية في أنحاء العاصمة، والسيطرة على مداخل ومخارج القاهرة، وكذلك مؤسسات الدولة الحيوية ومن بينها ماسبيرو، علاوة على حماية رجال النظام ومنع اقتحام المتظاهرين للتحرير بأي طريقة. تفاجئت الداخلية بالهجوم على الأقسام والسجون في توقيت واحد من قبيل ثورة سلمية، وبدا أن هذا التحرك لم يكن عفويا، بل كان عزفا منفردا، فهناك من يستهدف إقصاء الداخلية تماما من المشهد، علاوة على إخراج قيادات الاخوان المسلمين من السجن، تمهيدا للدفع بهم في التفاعلات السياسية المقبلة. لم يكن تحالف المتظاهرين وقوات الجيش الهابطة للميدان مع غروب شمس الجمعة مسألة اختيارية، دخل المتظاهرون السلميون ميدان التحرير تحملهم الآليات العسكرية هاتفين "الجيش والشعب إيد واحدة". تأخر الانتشار الأمني للجيش، ما سمح بإثارة حالة من الفزع الأمني وحدوث أعمال النهب، وجد المصريون جميعهم أن مسألة الوقوف خلف الجيش ليست أيضا مسألة اختيارية. في هذا التوقيت وقعت ثغرة ماسبيرو، سارعت قوات الحرس الجمهوري الداعمة لمبارك بالسيطرة على مبني ماسبيرو، في مخالفة لخطة الانتشار التي حصرت دورها في تأمين المنشآت القريبة من الرئاسة، بات ماسبيرو الحصن الأهم للنظام. هبط إلى القاهرة سامي عنان رئيس الأركان، ويقول في مذكراته المنشورة في جريدة الوطن أنه حينما رأى سيطرة قوات الحرس الجمهوري في ماسبيرو، فكر في إحداث انقلاب ناعم عبر قيام مجموعات من رجال الصاعقة والمظلات والشرطة العسكرية بالمرور على القوات في ميدان التحرير وماسبيرو. تبدل المشهد الميداني، الحرس الجمهوري يسيطر على البنايات الاستراتيجية، وقوات الجيش تنتشر في كافة البلاد، كانت هذه الوضعية السبب الرئيسي وراء عدم رحيل مبارك ل 14 يوما تالية، هناك داعي للمفاوضات بين الأجنحة المتصارعة. الجيش يطلب تسليم السلطة له، مبارك ونجله يرفضان الرحيل، عمر سليمان يطلب التفويض ويتعهد باحتواء الوضع الميداني. بينما أصبح ميدان التحرير مرتعا للجميع. في المقابل، يحاول مبارك إثبات قدرته على التأثير، وينجح إلى حد كبير في خطابه العاطفي أن يُحدث شقا في صفوف المعتصمين، كانت ليلة 2 فبراير هي أقل الليالي من حيث عدد المعتصمين عقب الخطاب، وفي الصباح، وعقب وصول تقارير ردود أفعال المتظاهرين على الخطاب، كان هناك من ينوي فض الميدان أو تهييج المتظاهرين. لازالت حادثة الجمل تمثل لغزا إلى يومنا هذا، بما في ذلك اكتفاء قوات الجيش المسئولة عن حماية المتظاهرين بالمراقبة. في النهاية، وضعت حادثة الجمل حدا لمحاولات اخلاء الميدان دونما رحيل مبارك. مر الأسبوع الأول دونما تحقيق أية خطوات جديدة، سوى استكمال القضاء على مجموعة جمال مبارك، بينما يحاول عمر سليمان كنائب للرئيس إثبات قدرته على صناعة تسوية سياسية، الأمر لا يتطلب سوى موافقة جماعة الإخوان المسلمين وتشكيل بعض الهيئات السياسية الصورية التي "تمثل" شباب الثورة، وتصديرها للإعلام على أن هؤلاء من صنعوا الثورة، ومنهم ائتلاف شباب الثورة وغيره، والإعلان عن حوار وطني بينه وبين رجاله. كان عامل الوقت يمثل ضغطا، ويلعب لصالح الجيش، فالاقتصاد على وشك الانهيار لاسيما مع توسع رقعة احتجاج العاملين بالدولة، وظهور أزمة في الخبز يتدخل لحلها رجال الجيش. وبعد فشل محاولات عمر سليمان في إخلاء الميدان، ورفض تفويض مبارك له في خطابه الأخير، اضطر للموافقة على رحيل مبارك، مقابل تشكيل مجلس رئاسي يكون هو أحد أطرافه، بالاشتراك مع وزير الدفاع ورئيس الحكومة. بمقتضى هذا الاتفاق، تركت قوات الحرس الجمهوري ماسبيرو، وحل محلها قوات الصاعقة والمظلات والشرطة العسكرية، لتتهيأ جدران مبنى التليفزيون لزف خبر الانقلاب الناعم على مبارك، ويصر عمر سليمان على إلقاء الخبر بنفسه، حرصا على بقائه داخل الصورة. في صبيحة اليوم التالي، تهيأ عمر سليمان للذهاب إلى اجتماعه المقرر مع المجلس العسكري للإعلان عن المجلس الرئاسي، تم تأجيل الاجتماع لعدة ساعات، ثم أبلغه المجلس العسكري برفضهم لفكرة المجلس الرئاسي، وبسحب خط الاتصال المشفر بينه وبين الرئاسة، ما يعني ضمنيا إبعاده عن الحُكم، وتولى الجيش منفردا الحُكم بشكل رسمي لمدة مؤقتة، وكان الأمر يستلزم العديد من الخطوات لتكريس استعادة الجيش لمنصب رئاسة الجمهورية، لكن هذه المرة عليه المناورة مع الجميع، مجموعات عمر سليمان وجمال مبارك والإخوان والقوى المسيسة حديثا، وهو ما سنتناوله في المقالات التالية.