أعادت أزمة المهاجرين غير الشرعيين بالمغرب واجتياح حوالي 700 مهاجر السياج الحدودي الفاصل مع إسبانيا، خاصة بمدينة سبتةالمحتلة، إلى الذاكرة الأزمة الحدودية بين الرباطومدريد، التي ترجع إلى مئات السنين بعدما احتلت الأخيرة بعض المناطق المغربية، أبرزها «سبتة ومليلية والجزر الجعفرية»، فما هذه المناطق وما أهميتهما الاستراتيجية بالنسبة للعرب وتحديدًا المملكة المغربية؟ تعتبر مشكلة مدينتي سبتة ومليلية مصدرا واسعًا للتوتر بين المغرب وإسبانيا طيلة القرون الماضية، ورغم متانة العلاقات، تتعرض للهزات باستمرار بمجرد حدوث أي موقف يتعلق بهذه المشكلة، وكذلك في نزاع الصحراء الغربية التي كانت تستعمرها إسبانيا. وتشكل سبتة ومليلية نقطة عبور للهجرة غير النظامية انطلاقا من إفريقيا جنوب الصحراء ودول المغرب العربي، وتعود آخر محاولة لاقتحام مهاجرين مدينة سبتة إلى ليلة رأس السنة، عندما حاول آلاف منهم عبور حاجز، غير أنهم أخفقوا وأصيب الكثير منهم بجروح، ورغم أن المغرب ظل بلد عبور للمهاجرين الفارين من ويلات النزاعات والفقر والجفاف في دول جنوب الصحراء باتجاه أوروبا، لكن مراقبين يؤكدون أن استقرار كثيرين من المهاجرين في المغرب بوضع غير قانوني يؤرق المملكة كثيرًا، خاصة بعد رفض الاتحاد الأوروبي وإسبانيا استقبالهم. أين تقع سبتة ومليلة؟ سبتة ومليلة مدينتان مغربيتان تقعان تحت الاحتلال الإسباني، وتعتبران إحدي مخلفات الحرب بين العالم الإسلامي وأوروبا خلال القرن الخامس عشر، وتقع سبتة مقابل مضيق جبل طارق وهي عبارة عن شبه جزيرة مطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط، يحيطها من الجهات الثلاث الشمالية، والشرقية، والجنوبية، وتحدها من الغرب والجنوب الغربي مملكة المغرب، وتقع في أقصى الشمال الغربي لإفريقيا، يفصلها عن إسبانيا مسافة 26 كيلومترا، وتبلغ مساحتها 199 كيلومترا، وأصبحت المنطقة منذ عام 1995 تتمتع بصيغة الحكم الذاتي داخل إسبانيا بقرار البرلمان الإسباني عام 1995. مليلية أيضا ذاتية الحكم تقع على القارة الإفريقية، بجانب بحر البوران وقبالة سواحل غرناطة وألمرية، قبالة الساحل الجنوبي لشبه الجزيرة الإيبيرية، تحيط بها الأراضي الريفية المغربية من كل الأطراف، تحدها من الشرق والشمال الشرقي البحر الأبيض المتوسط، وتحيط سبتة ومليلة الجزر الجعفرية التي تنقسم إلى ثلاث جزر صغيرة وتحتلهما إسبانيا مند عام1847. ما موقف المغرب من المدينتين؟ ترفض المملكة المغربية دائمًا الاعتراف بشرعية الحكم الإسباني على سبتة ومليلية والجزر الجعفرية وتعتبرهم جزءا لا يتجزأ من التراب المغربي، حيث يتمتع سكانها من أصل مغربي بحقوق كاملة داخل المغرب كمواطنين مغاربة، وتطالب المملكة إسبانيا بالدخول في مفاوضات مباشرة معها لأجل استرجاع المدينتين، كما تعتبرهما إحدى أواخر معاقل الاستعمار في إفريقيا، غير أن الأممالمتحدة لم تصنفهما ضمن المناطق المحتلة. وتكررت طلبات المغرب استرجاع سبتة ومليلة في عهد الملك الحسن الثاني في إطار تفاوضي، إلا أن استمرار إسبانيا فرضت الأمر الواقع الذي توج عام 1995 بمنح المدينتين حكما ذاتيًا كإقليمين مستقلين تحت السيادة الإسبانية، ما صعب المهمة المغربية، وتفيد الكثير من المصادر التاريخية أن هناك اتفاقًا بين المؤسستين الملكيتين المغربية والإسبانية بعدم الاقتراب من هذا الملف لتفادي أي حرج، لكن دائمًا ما مثلت زيارات الملك الإسباني السابق خوان كارلوس إلى سبتة إشارات سياسية لتمسك مدريد بسيادتها على المدينتين، وقوبلت باستنكار مغربي رسمي وشعبي. ورغم أن العلاقات الاقتصادية بين المغرب وإسبانيا تعتبر في حالة مقبولة ويشهد عليها واقع الاستثمار الإسباني بالمغرب، حيث تعد إسبانيا الشريك الاقتصادي الثاني للمغرب بعد فرنسا، لكن مراقبين يؤكدون أن العلاقات السياسية والديبلوماسية والتبادل الاقتصادي والتجاري لا يتناسب مع حجم ومكانة البلدين. أهميتهما الاستراتيجية؟ ترجع أهمية مدينتي سبتة ومليلية إلى تاريخ الصراع الغربي الإسلامي، حيث تعدان إحدى أوجه المجابهة الإسلامية للاحتلال الأوروبي في فترة الحروب الصليبية، التي كان البحر المتوسط مسرحا له، دفعت مدينة سبتة طوال تلك الفترة ثمن موقعها الجغرافي الاستراتيجي في الحرب الدائرة، الذي جعلها بوابة العالم الإسلامي للزحف على أوروبا، ومن ناحية أخري منفذ للغرب لإحكام سيطرته على الأراضي الإسلامية. وتتمتع سبتة بموقع استراتيجي متميز؛ فمنذ عام 42 بعد الميلاد يطمع فيها الغزاة، حيث سيطر عليها الرومان آنذاك، وبعد ذلك بنحو 400 عام، طردت قبائل الفاندال الرومان من المدينة ثم سيطر عليها البيزنطيون، ثم جاء الفتح الإسلامى للقارة الأوروبية عام 711م، واستمر إلى أن احتلها البرتغاليون عام 1415 بهدف القضاء على نفوذ المسلمين في المنطقة. واحتلتها إسبانيا بعد تولى فيليب الثاني ملك إسبانيا عرش البرتغال عام 1580، وبعد استقلال البرتغال، تنازلت الأخيرة بمقتضى معاهدة لشبونة 1668 عن سبتة لإسبانيا، وبقيت مليلية تقاوم جيوش الإسبان حتى سقطت عام 1497م، في إطار خطة عامة للإسبان والبرتغاليين لمحاصرة أقاليم الغرب الإسلامي واحتلال أراضيه. محاولات المغاربة لاستعادة سبتة وميلية وحاول المغاربة في القرون التالية لاحتلال المدينتين استعادتهما، وكان أبرزها محاولة المولى إسماعيل في القرن السادس عشر الميلادي، حيث حاصر المسلمون في هذه الفترة مدينة سبتة ولم يقدر لهم أن يفتحوها، وكذلك محاولة المولى محمد بن عبد الله عام 1774م لمحاصرة مدينة مليلية، ولم يفلح المسلمون في تخليصها من يد الإسبان، كما حاول سكان المسلمين داخل سبتة ومليلة التمرد على واقع الاحتلال، لكن إسبانيا تصدت لذلك بالتحالف مع دول أوروبية أخرى. ورقة ضغط واعتبرت قضية الصحراء التي دائمًا ما تعطيها المغرب أولوية في سياستها الخارجية ورقة ضغط رئيسية في يد إسبانيا، إذ عملت الأخيرة على دعم جبهة البوليساريو المطالبة بدولة مستقلة في الصحراء؛ رغبة من مدريد في إشغال المغرب عن المطالبة بحقوقه الشرعية في سبتة ومليلية، اعتقادا منها بأن حسم هذه القضية سيجعل المغرب يتفرغ لاستعادة ثغوره الشمالية المحتلة وتركيز جهوده عليها، ما يعني أن إسبانيا تريد كسب المزيد من الوقت بشغل المغرب في موضوع الصحراء بما يمكنها من تحضير المدينتين ثقافيًا واجتماعيًا وانتمائيًا لحسمهما بالاستفتاء أو دوليًا في حال إذا ما اضطرت إلى ذلك يوما ما.