إرهاصات متسارعة تشهدها جبهة الساحل الغربي في اليمن منذ فشل قوات التحالف ومرتزقتها في السيطرة على مدينة المخا الساحلية، حيث يبدو أن استهداف البارجة السعودية نتج عنه تداعيات خطيرة قد تؤثر على مسار الحرب بشكل عام وعلى الأوضاع الإنسانية بشكل خاص، لا سيما في ظل استمرار الحديث عن استهداف ميناء الحديدة الذي يعد شريان الحياة المتبقي لليمنيين برغم وقوعه تحت الصحار منذ ما يقرب من عامين. الضربة التي تعرضت لها البارجة السعودية بدت مستفزة للأمريكيين، خاصة بعد أن صرح مسؤلون في البنتاجون أن الضربة كانت تستهدف بارجات أمريكية وتحمل رسائل بهذا الخصوص، كما أعلن الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب أن الولاياتالمتحدة ستدخل الحرب في اليمن بشكل مباشر، وتلا ذلك تصريحات نسبت لوزارة الدفاع الأمريكية تقول إن هناك دراسة جادة لمشاركة أمريكا في الحرب بشكل مباشر. وفي الوقت الذي برر فيه ترامب تدخل بلاده في الحرب اليمنية بما أسماه بمواجهة إيران في اليمن وحماية الممر الدولي، وصف وزير الإعلام أحمد محمد حامد في حكومة الإنقاذ اليمنية بصنعاء حديث ترامب عن محاربة إيران في اليمن بأنه مجرد ذريعة ومحاولة لصرف الأنظار عن التدخل الإسرائيلي المباشر في باب المندب وفي الحرب على اليمن، وأكد حامد في تصريح نشرته وكالة الأنباء الرسمية سبأ أن الخطر على باب المندب ليس من أبناء الشعب اليمني والجيش واللجان الشعبية وإنما من التدخل الأمريكي والإسرائيلي وأذرعتهم مثل داعش والقاعدة. التدخل الأمريكي وذريعة إيران: كانت قد أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية قبل أيام عن وصول المدمرة كول إلى باب المندب، وتلا ذلك أنباء تناولتها وكالات عربية وغربية تقول إن بارجة أمريكية تحمل طائرات عبرت قناة السويس للمشاركة في الحرب على اليمن، وفي رد على تلك الإرهاصات أوضح الوزير حامد أن العدو الإسرائيلي يلعب دورا كبيرا في هذا العدوان السعودي الأمريكي على اليمن لتحقيق أطماعه الخطيرة في السيطرة على باب المندب، مضيفا: لذلك يلجؤون للتضليل الإعلامي ويحاولون صرف الأنظار إلى عدو وهمي هو إيران. ولفت وزير الإعلام اليمني إلى أن أمريكا وإسرائيل تسعيان إلى تمكين القاعدة وداعش من باب المندب، معتبرا أن في ذلك تكمن الخطورة الحقيقية على الملاحة الدولية وعلى التجارة العالمية، وأشار إلى أن إسرائيل فيما لو مكنت داعش من السيطرة على المضيق الدولي باب المندب فإنها ستستخدم ذلك ورقة ضغط على الصين ومصر وغيرها من الدول. من جهتها سخرت الخارجية الإيرانية مما وصفته بالإدعاءات الجوفاء لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير حول إرسال أسلحة إيرانية إلى اليمن، وقال الناطق باسم الخارجية الإيراني بهرام قاسمي الجمعة الماضية إن الإدعاءات المكررة والجوفاء لوزير الخارجية السعودي حيال إرسال إيران أسلحة للمقاومين اليمنيين بأنها تعبر عن الحيرة جراء الهزائم النكراء والمتتالية للتحالف السعودي في حربه على الشعب اليمني الأعزل. واعتبر قاسمي أن بلاده باعتبارها دولة قوية في المنطقة، تؤدي دورا بناءً وداعما للاستقرار وطليعيا في مكافحة الإرهاب ولا تحتاج إلى التدخل في شؤون البلدان الإسلامية، داعيا وزير الخارجية السعودي وحكام المملكة إلى تغيير أساليبهم التي قال إنها بالية وعديمة الجدوى. الحرب ومشروع الأقاليم : وفي سياق متصل، نقلت وسائل إعلامية تصريحات قادة عسكريين تابعين للرئيس المستقيل عبدربه منصور والتحالف أن هناك اتفاقا أمريكيا سعوديا للسيطرة على الساحل الغربي، وبحسب تلك التصريحات فإن الاتفاق يهدف إلى التقاء جبهتي ميدي الشمالية مع جبهة باب المندب الجنوبية عند نقطة واحدة وهي السيطرة على مدينة الحديدة والميناء. وتزامنت هذه المؤشرات مع حديث للرئيس المستقيل عبدربه منصورعن تمسكه بمشروع الأقاليم وشدد هادي في حوار أجرته معه صحيفة القدس العربي قبل يومين على تمسكه بتطبيق مشروع الأقاليم، ووصف سياسيون في صنعاء حديث هادي عن الأقاليم بالتزامن مع التحركات الرامية لاستهداف الساحل بكونه اعتراف واضح أن الغرض من الحرب هو تقسيم اليمن، مذكرين بأن العدوان خلال مراحله تمكن من فصل إقليم حضرموت وإقليم عدن وإقليم سبأ المتمثل في مأرب والجوف وشبوة ليبقى إقليم تهامة الذي يمتد على الساحل الغربي، وهو ما يمكن قراءته بوضوح من خلال تحركات العدوان وسلوكه طوال الفترة الماضية. استهداف ميناء الحديدة: الأنباء المتوالية حول التصعيد المتوقع في ساحل اليمن الغربي الممتد من باب المندب جنوبا إلى ميدي شمالا لم تنجح في ابتزاز الأطراف اليمنية والسلطات في صنعاء التي تقلل من أهميتها عسكريا، وبحسب محللين وسياسيين فإن تلك الإرهاصات لاتمثل أمرا جديدا على اعتبار أن الحرب منذ البداية أمريكية وتستخدم فيها كل الإمكانات الأمريكية. وطرأ متغير جديد على اتجاه الحرب يتعلق بالوضع الإنساني والاقتصادي، وظهر على السطح الحديث بخصوص استهداف تحالف العدوان ميناء الحديدة، وفي الوقت الذي أعلنت السعودية ميناء الحديدة منطقة عسكرية على خلفية استهداف بارجتها، كانت طائراتها تشن غارات مكثفة على مناطق متفرقة في المحافظة الساحلية ومن بين تلك الأهداف التي قصفتها الطائرات ميناء الحديدة ومرافقه. وعلى وقع ذلك، ركز إعلام العدوان السعودي والمواليين له على نشر توقعات بإغلاق ميناء الحديدة لأسباب عسكرية، وتزامن مع ذلك إشارات حول وجود ترتيبات لتشغيل ميناء عدن لاستيعاب الحركة الاقتصادية والإنسانية التي كان يستوعبها ميناء الحديدة، الأمر الذي قوبل بقلق في الشارع اليمني، غير أن مصدر أكاديمي متخصص في مجال الاقتصاد اعتبر ذلك مجرد إرجاف الغرض منه تركيع اليمنيين وترهيبهم ونوه المصدر في حديث ل " البديل " إلى أن ميناء الحديدة خاضع لرقابة وتفتيش قوات العدوان، ولا فرق بين التفتيش في البحر الأحمر أو في ميناء عدن فالحركة التجارية ستصل في كل الأحوال، مستدركا بالقول: لكن إعلان ميناء الحديدة منطقة عسكرية ومحاولات استهدافه يمكن أن ينتج عنه كارثة إنسانية نظرا لتوقف أنشطة كثيرة يعتمد عليها سكان الساحل في حياتهم. إحياء تنظيم القاعدة في أبين والبيضاء: ظهرت تحركات أمريكية نحو إعادة تنظيم القاعدة إلى الواجهة ابتداء من العملية التي نفذتها في محافظة البيضاء أو من خلال قصفها مراكز تسيطر عليها القاعدة في محافظة أبين، والتي أسفرت بحسب المعطيات الميدانية عن عودة التنظيم إلى نشاطه العسكري في المحافظتين. ولفت مراقبون إلى أن تنفيذ القوات الأمريكية أول عملية برية ضد القاعدة في اليمن في منطقة قيفة بمحافظة البيضاء سرعان ما أيقظت عناصر التنظيم ومجاميعه التي اتجهت نحو فتح جبهة جديدة في نفس المنطقة لمحاربة الجيش واللجان الشعبية، الأمر الذي أثار التساؤلات هل كان ذلك هو الهدف الرئيسي للولايات المتحدة من خلال العملية؟، ورأى آخرون أن الولاياتالمتحدة تبحث في اليمن عن مدخل ومبرر للمشاركة المباشرة في الحرب على اليمن، واعتبروا أن عودة القاعدة لنشاطها في محافظة أبين بعد قصف طفيف طالها من بوارج أمريكية دليل على ذلك، حيث أعلن التنظيم الجمعة عن سيطرته مجددا على محافظة أبين وهروب قوات الحزام الأمني الموالي لهادي والتحالف السعودي، وقال سكان محليون إن التنظيم تمكن بسهولة من السيطرة على المحافظة والمؤسسات فيها بدون مقاومة تذكر. اللافت في الأمر أن عناصر التنظيم لاتزال منتشرة وتسيطر على المرافق الحكومية دون أي رد فعل من القوات والطائرات الأمريكية او طائرات التحالف، الأمر الذي يفهم منه أن الهدف هو إيقاظ القاعدة للمشاركة في الحرب ضد الشمال في مواجهة الجيش واللجان الشعبية. وفي السياق ذاته، وصفت مجموعة الأزمات الدولية في تقرير نشرته الخميس الماضي الضربات الأمريكية على القاعدة في اليمن بأنها محدودة وتسهم في تقوية التنظيم وليس إضعافه، وأن الضربات تؤدي لحصول التنظيم على تعاطف من المجتمع الذي يتواجد فيه، مشيرة إلى أن العملية الأمريكية الأخيرة في محافظة البيضاء أدت لسقوط مدنيين. وأثيرت تساؤلات حول علاقة تحرك القاعدة مجددا على الامتداد من أبين إلى البيضاء بعد عملية الإنزال الأمريكية الأخيرة في قيفة ووصول المدمرة الأمريكية إلى باب المندب وحديث البيت الأبيض عن دراسة التدخل المباشر في الحرب على اليمن وما الهدف من وراء ذلك؟ يذكر أن بيانا أمريكا نشرته مواقع سفاراتها تحدث عن استخدام القوة لفرض السلام كمبدأ جديد في سياسة ترامب وتضمن البيان حديثا عن تدخل أمريكي مباشر في المنطقة وزيادة التواجد البحري والجوي باليمن.