ترقب وتكهن، يصاحبهما وجهات نظر تفاؤلية وأخرى تشاؤمية تسود الأجواء قبيل ساعات من انطلاق مباحثات الأستانة، المقرر أن يجتمع فيها وفد من الحكومة السورية لأول مرة بشكل مباشر مع وفد من المعارضة المسلحة، غدًا الاثنين 23 يناير الجاري، برعاية تركية روسية إيرانية، فيما أعلنت واشنطن في الساعات الأخيرة عن مشاركتها عبر سفيرها في كازاخستان. مؤتمر الأستانة يقترب موعد انطلاق المفاوضات المفصلية في تاريخ الأزمة السورية في تمام الساعة الواحدة ظهرًا بتوقيت العاصمة الكزخية "أستانه" غدًا الاثنين، وفق ما نشر الموقع الرسمي للخارجية الكازاخستانية، الذي أكد أن المفاوضات ستبدأ يوم 23 يناير الجاري، عند الساعة الواحدة ظهرًا بتوقيت أستانة، ومن المفترض أن تختتم في 24 يناير الجاري، وأشارت في البيان إلى أن المفاوضات ستجري بفندق "ريكسوس بريزيدنت أستانة"، وستكون وراء الأبواب المغلقة. مع اقتراب موعد الانعقاد، تتلاشى ضبابية المشهد حول حضور الوفود واعتذار أخرى، حيث أكدت مصادر مواكبة للمفاوضات أن وفد إيران برئاسة نائب وزير الخارجية الإيراني، حسين جابري أنصاري، وصل إلى الأستانة، كما وصل مساء أمس، وفد الفصائل العسكرية برئاسة، محمد علوش، يرافقه عدد كبير من المستشارين القانونيين يتبعون الهيئة العليا للمفاوضات في الرياض، حيث وصل وفد المعارضة حسب مصادر هناك إلى أكثر من أربعين شخصًا، وسط معلومات عن انضمام "الجبهة الجنوبية" التابعة للجيش الحر. وفي المقابل، وصل الوفد الحكومي برئاسة مندوب سوريا الدائم في الأممالمتحدة، بشار الجعفري، وعضوية المستشار، أحمد عرنوس، وعضو مجلس الشعب، أحمد الكزبري، وسفير سوريا لدى روسيا، رياض حداد، وأمجد عيسى، والدبلوماسيين، أسامة علي، وحيدر علي أحمد، وضابط أمن وضابطين عسكريين، وسيمثل الجانب التركي، نائب وزير الخارجية، سيدات أونال، ويرافقه ممثل عن جهاز الاستخبارات التركية وممثلة عن هيئة الأركان، أما الجانب الروسي، يمثله المبعوث الخاص للرئيس فلاديمير بوتين، لعملية السلام في سوريا، ألكسندر لافرانتيف، ونائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، اللذين وصلا إلى العاصمة الكزخية، فيما أعلنت الخارجية الأمريكية أنها لن ترسل وفدًا للمشاركة في المباحثات بسبب انشغال الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب، لكن سفيرها في كازاخستان، جورج كرول، سيمثلها في الاجتماع. ومن بين الوفود والشخصيات المعنية بالأزمة الذين وصلوا إلى العاصمة الكزخية، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، وعدد من مساعديه، في حين أعلن الاتحاد الأوروبي أيضًا مشاركته على مستوى السفراء، ناهيك عن الرئيس الكازاخستاني، نور سلطان نزار باييف، المقرر أن يعقد الجلسة الافتتاحية ليلقي كلمة يرحب فيها بالوفود المشاركة، لتبدأ بعد ذلك أولى جلسات المباحثات بين وفد الحكومة ووفد الفصائل العسكرية بالتفاوض غير المباشر عن طريق المبعوث الأممي، دي ميستورا، ومعاونه "رمزي عز الدين". هل يلقى مصير جنيف؟ مع الحديث عن مؤتمر الأستانة، انطلقت العديد من التكهنات التي أشار بعضها إلى تصاعد فرص نجاح المؤتمر بسبب انهيار العديد من المعوقات التي كانت تقف في طريق نجاح مؤتمر جنيف بجولاته المتعددة، فيما ظلت الأجواء التشاؤمية موجودة لدى بعض المراقبين الذين قللوا من فرص نجاح المؤتمر، ورأوا أن بعض هذه المعوقات لاتزال موجودة وقد تؤدي إلى انهيار المحادثات لتلقى مصير سابقتها "جنيف". لاشك أن الأوضاع السياسية والاستراتيجية الحالية للعديد من الدول اختلفت كثيرًا، خاصة الاستراتيجية الأمريكية في التعامل مع الأزمة السورية، فبعد تنصيب الرئيس الجديد، دونالد ترامب، باتت الإدارة الأمريكية أكثر تساهلًا فيما يخص مصير الرئيس السوري، بشار الأسد، على عكس الرئيس السابق، باراك أوباما، حيث تتقارب استراتيجية ترامب من نظيره الروسي بوتين بشأن التركيز على محاربة العناصر المسلحة في سوريا قبل الحديث عن مستقبل الرئيس الأسد. في الوقت نفسه، اتخذت السياسة التركية منحنى جديد بشأن التعامل مع الأزمة السورية، حيث باتت أكثر قربًا من وجهات النظر الروسية والإيرانية، وهو ما ظهر مؤخرًا في إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أنه توصل إلى اتفاق مع نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، ليعرض على أطراف النزاع في سوريا مواصلة عملية محادثات السلام في أستانة لتكون مكملة لمحادثات جنيف المقرر لها 7 فبراير المقبل، كما أن اعتراف نائب رئيس الوزراء التركي، محمد شمشيك، الذي قال فيه "تسوية الأزمة السورية بدون الرئيس السوري بشار الأسد تعد في الوقت الراهن أمرًا غير واقعيًا، لأن كل تصرفات حكومته وسياساتها في الأشهر الستة الماضية تعكس هذا التحول على أرض الواقع"، يُعد بمثابة استدارة تركية وتراجع لافت عن الرفض القاطع الذي كانت تتبناه أنقرة بشأن الحوار مع الرئيس السوري أو بقائه في مستقبل سوريا، الأمر الذي يوحي بأن إدارة أردوغان أعادت تقييم حساباتها جيدًا متخذه في الاعتبار فشلها المتكرر في العديد من المعارك التي خاضتها والضغوط الميدانية التي كان آخرها وأهمها معركة حلب، وحاجة تركيا لموسكو وطهران ودمشق لمنع نشأة "كانتون كردي" على حدودها الجنوبية، ناهيك عن محاولات أردوغان كسب ود الرئيس الأمريكي الجديد لتعود العلاقات الأمريكية التركية إلى سابق عهدها بعد ما عانته خلال السنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق، باراك أوباما. أما الجماعات المسلحة، فقد فقدت العديد من الدعم المادي والمعنوي والاستخباري الذي كانت تتلقاه من العديد من الدول العربية والغربية، حيث باتت السعودية وقطر، أكبر داعمي الجماعات المسلحة في سوريا منذ بداية الأزمة هناك، يبحثون عمن يدعمهم سواء في أزماتهم الاقتصادية أو عدوانهم على اليمن الذي بات عبئا كبيرًا لم يستطيعوا التخلص منه، فيما تخلت تركيا عن العديد من استراتيجيتها الداعمة لهذه التنظيمات والجماعات بعد أن خسرت مراهناتها عليهم وتيقنت من عدم قدرتهم على تحقيق أهدافها في سوريا، كما أن الخلافات التي شقت صفوف الجماعات المسلحة في سوريا والتي يتم ترجمتها باشتباكات بين هذه الفصائل لا تهدأ على الأرض، يؤكد أن الجماعات المسلحة في طريقها للانهيار وباتت تبحث عن أفضل المخارج من هذه الأزمة. على الجانب الآخر، فإن تعارض المبادئ التي قام عليها اجتماع الأستانة مع قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي نص على ضرورة مشاركة جميع الأطراف السورية، قد يكون السبب الأول لفشل الاجتماع ومعارضة القوى الدولية له، حيث إن معارضة تركيا لمشاركة الجانب الكردي في الاجتماع يعتبر تهميشا لأحد الأطراف المعنية بالأزمة في سوريا، كما أن تغيب الأكراد رغم سيطرتهم على مساحة تزيد على 30% من مساحة سوريا، وتلقيهم الدعم العسكري المباشر من الولاياتالمتحدة، قد يؤدي أيضًا إلى إفشال المؤتمر باعتبارهم قوى سياسية مؤثرة في الميدان. بعيدًا عن التكهنات بنجاح أو فشل المباحثات المرتقبة، فإن وصول الدول الراعية الثلاثة "روسياوإيرانوتركيا" إلى الاتفاق حول انعقاد مؤتمر يجمع الفصائل المسلحة المعارضة في سوريا مع الحكومة السورية، يعتبر في حد ذاته الإنجاز الأكبر خلال هذه المرحلة، على اعتبار أن تركيا من أكثر الدول الداعمة للمجموعات المسلحة في سوريا وتشكل مع السعودية وقطر حلفًا إقليمًا يحارب بقاء الرئيس الأسد، الأمر الذي يعني أن انضمام تركيا إلى روسياوإيران يعتبر بداية انهيار هذ الحلف التركي السعودي القطري.