بعد حكم محكمة القضاء الإداري يوم الاثنين الماضي برفض الطعن المقدم من الحكومة المصرية، على مصرية جزيرتي تيران وصنافير، طالب عدد من النشطاء بالإفراج عن باقي معتقلي الأرض الذين قالوا إن تيران وصنافير مصرية، ففي الثاني من يناير قُبض على 12 شخصًا بتهمة التظاهر أمام نقابة الصحفيين في القضية رقم 30 لسنة 2017 جنح قصر. وبعد تجديد حبسهم لأربعة أيام على ذمة التحقيق، قررت نيابة قصر النيل أمس الأربعاء إخلاء سبيلهم بكفالة 20 ألف جنيه لكل شخص، ما يعني أن مبلغ الكفالات المقرر هو 240 ألف جنيه في هذه القضية، وحسب حديث محامي المعتقلين محمد فاضل ل "البديل" فإنه تم دفع كفالات ل 6 أشخاص (120 ألف جنيه)، في انتظار تجميع كفالات باقي الأشخاص المحبوسين على ذمة تلك القضية والمتواجدين في قسم قصر النيل. لكن من خلال البحث في قضايا معتقلي الأرض، وجدنا أن ال 240 ألف جنيه كفالات التي ستأخذها الدولة من المعتقلين لإخلاء سبيلهم مبلغ ضئيل مقارنة بما أخذته الدولة بالفعل من المعتقلين في إبريل ومايو الماضيين. فمن خلال الأوراق التي جمعناها والخاصة بمتظاهري جمعة الأرض في إبريل الماضي، قُبض على ما يقرب من 590 شخصًا، وتم تقسيمهم إلى أربع قضايا: قضية الدقي وقضية العجوزة وقضية قصر النيل وقضبة بولاق. في قضية الدقي تم الحكم على 38 شخصًا بالسجن خمس سنوات وغرامة قيمتها 100 ألف جنيه لكل منهم، بإجمالي غرامات قيمتها 3 مليون و800 ألف جنيه، وأمام محكمة الاستئناف تم إلغاء حكم الحبس فقط واستمرار الغرامات في هذه القضية. بالإضافة لإخلاء سبيل 48 شخصًا، من بينهم سبعة أطفال، وأربع فتيات، بكفالة قيمتها 300 جنيه للأطفال، و500 جنيه للفتيات، وألف جنيه للباقين، بإجمالي 40 ألفًا ومائة جنيه. وفي قضية العجوزة تكرر نفس الأمر، وتم الحكم على 9 أشخاص بالسجن 5 سنوات وغرامة قيمتها 100 ألف جنيه لكل منهم، بإجمالي غرامات قيمتها 900 ألف جنيه، وأمام محكمة الاستئناف تم إلغاء الحكم فيما يتعلق بالحبس فقط واستمرار حُكم الغرامة. وأيضًا في قضية بولاق تم الحكم على 9 أشخاص بالسجن 3 سنوات وغرامة قيمتها 100 ألف جنيه لكل منهم، بإجمالي غرامات قيمتها 900 ألف جنيه، وأُلغي حكم الحبس في محكمة الاستئناف، واستمر تأييد حُكم الغرامة. وتعتبر قضية قصر النيل هي الوحيدة التي صدر فيها الحكم بمنع الحبس أو الغرامة للمتهمين، حيث صدر حكم أول درجة بحبس المتهمين سنتين وغرامة قيمتها 100 ألف جنيه، وفي الاستئناف ألغى الحبس والغرامة. أين تذهب الغرامات؟ يقدر إجمالي قيمة غرامات وكفالات المقبوض عليهم في مظاهرات جمعة الأرض ب 5 ملايين و880 ألف ومائة جنيه. المادة 29 من قانون السلطة القضائية الخاصة بترتيب المحاكم وتنظيمها تنص على أن حصيلة الغرامات وسائر أنواع الرسوم المقررة بالقوانين في المواد الجنائية والمدنية والأحوال الشخصية وكذلك الأمانات والودائع يكون تحصيلها وحفظها وصرفها بمعرفة الكاتب الأول والكتاب والموظفين المعينين لذلك تحت إشراف النيابة العامة ورقابة وزارة العدل. "الغرامات يتم دفعها في الخزينة الموجودة بالمحكمة، وتدخل الموازنة العامة للدولة التي يتم إقرارها كل عام، وتعتبر بندًا من ضمن البنود الخاصة بالموارد، وتقوم يجمعها وزارة العدل". هذا ما أوضحه محمد فاضل، محامي المقبوض عليهم في مظاهرات الأرض، وأعطانا صورة من الإيصالات الرسمية التي يتم تحصيل الغرامات من خلالها، كان واضح بها ختم وزارة المالية، مؤكدًا أن "ما يحكم المحاكم وميزانية كل محكمة نظام أشبه بنظام الصناديق الخاصة". وقد علمنا من مصدر داخل وزارة العدل أن الغرامات المالية عند دفعها تدخل تلقائيًّا خزينة قطاع المطالبات القضائية، ويخصص جزء منها لصندوق الرعاية الصحية والاجتماعية للقضاة، بينما الكفالات تظل داخل خزينة المحكمة لحين الانتهاء من القضية، فإذا انتهت القضية ببراءة المتهم يمكنه استرداد مبلغ الكفالة من خلال مجموعة من الإجراءات، أما إذا تم تنفيذ الحكم، تحول الكفالة لخزينة المحكمة؛ لأنها تُصبح غرامة. محمد فاضل المحامي أكد في حديث خاص ل "البديل" أن هذه الغرامات كانت بمثابة إنهاء لمستقبل هؤلاء الشباب، وتُجافي الأوضاع الاجتماعية التي نعيشها، معقبًا "كان هناك شباب يضطرون للتوقيع على وصولات أمانة كي يدفعوا الغرامات". وأوضح أنه كانت هناك محاولات من شخصيات سياسية محسوبة على ثورتي 25 يناير و30 يونيو من أجل التبرع لعدد من الشباب ودفع غراماتهم، لكنه يرى أن كل هذه الأحكام غليظة بشدة، ولم يسمع عنها أحد ضد من أفسدوا ونهبوا أموال الدولة من رجال مبارك، مثل يوسف والي ومحمد إبراهيم سليمان، اللذين كان يتم إخلاء سبيلهما بكفالات لا تزيد على 10 آلاف جنيه، "وكان أقرب شيء لما الحكومة رفعت إشكال لوقف تنفيذ حكم مصرية جزيرتي تيران وصنافير المحكمة المحكمة غرمت محامي الحكومة 800 جنيه فقط". وكشف الفقيه الدستوري عصام الإسلامبولي، عضو هيئة الدفاع عن مصرية تيران وصنافير، أن هؤلاء المعتقلين قُبض عليهم على خلفية قانون التظاهر غير الدستوري؛ لأن البرلمان هو صاحب سلطة التشريع الآن والمعنيّ بإصدار قانون تظاهر جديد إذا رأى أن القانون الحالي به بعض اللغط، وعن استرجاع الغرامات التي دفعها المقبوض عليهم إذا قام البرلمان بإلغاء القانون ذاته، يقول الإسلامبولي: لو هناك شباب تمت إدانتهم على خلفية المادة العاشرة من قانون التظاهر، والتي قضت المحكمة الدستورية بعدم دستوريتها، من حقهم أن يتم تبرئتهم ويستردوا ما دفعوه من غرامات، إذا كانت الإدانة مبنية على المادة العاشرة. واختتم معقبًا: لكن لو البرلمان قام بتعديل مواد أخرى في القانون، سننظر للتعديل، إذا كان بأثر رجعي سيتم تبرئة المقبوض عليهم ويستردوا أموال الغرامات التي دفعوها، وأما إذا كان التعديل بأثر فوري، لن يستطيع أحد استرداد الغرامات المدفوعة، وهذا مرتبط بالشكل والمضمون اللذين سيقدمهما البرلمان في قانون التظاهر.