يومًا تلو الآخر يصعد صوت اللوبي الإسرائيلي في بريطانيا أكثر فأكثر، لا سيما في الشهور القليلة الماضية التي صعدت فيها حكومة البريكست برئاسة تريزا ماي إلى الحكم في المملكة المتحدة، بعد التصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي، وبدا هذا الأمر واضحًا في الموقف البريطاني من مؤتمر باريس، والذي أعربت فيه عن تحفظها على البيان الختامي تضامنًا مع الرفض الإسرائيلي للمؤتمر، وما زاد على ذلك هو منع المملكة الاتحاد الأوروبي من إصدار بيان تأييد للمؤتمر بعدها بأيام، الأمر الذي يطرح تساؤلًا مهمًّا حول حقيقة تعزيز اللوبي الصهيوني مركزه ونفوذه في لندن. كيف يتحرك اللوبي الصهيوني في بريطانيا ضد مؤيدي القضية الفلسطينية؟ كشفت تقارير في الفترة الاخيرة تورط السفارة الإسرائيلية في بريطانيا في تحركات مشبوهة، تهدف إلى الإطاحة بوزراء في الحكومة البريطانية لديهم مواقف مؤيدة للفلسطينين، وكشفت العملية التي تداولتها الصحف البريطانية أن دبلوماسية إسرائيلية داخل سفارة الاحتلال في لندن تقوم بتحركات للإطاحة بوزير الدولة للشؤون الخارجية البريطانية «آلان دانكن» الذي يعد من أبرز القيادات السياسية في بريطانيا الذي ينتقد الاستيطان في الضفة الغربية، وبحسب موقع الجزيرة لم يكن «دانكن» الوحيد المستهدف من اللوبي الصهيوني ببريطانيا؛ حيث تكشف التقارير سعي اللوبي الصهيوني لإسقاط سياسيين بريطانيين يعارضون مصلحة الكيان الصهيوني، ومنهم رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان البريطاني «كريسبين بلانت» الذي يعد على قائمة المستهدفين؛ بسبب «آرائه التي تعدّ منحازة بشدة لصالح العرب، بدلًا من أن تكون منحازة لصالح الكيان الصهيوني». وأظهرت التقارير التي بثت بعض التسجيلات للدبلوماسيين الإسرائيليين مدى سيطرة اللوبي الإسرائيلي على المستويات القيادية داخل «حزب المحافظين» الحاكم في بريطانيا، حيث كشفت التسجيلات أن من يساعد الدبلوماسي الإسرائيلي في الوصول إلى مبتغاه أبرز قيادات حزب المحافظين، وهي مساعدة الوزير البريطاني المحافظ «روبرت هالفون»، وعلى الرغم من رد الكيان الصهيويني عبر سفارته بالاعتذار عما ورد في الصحافة من تجاوزات لأحدى الدبلوماسيات الإسرائيليات ضد الوزير دنكن»، ونفيه ضلوعها في هذا الأمر، إلا أن الضجة التي احدثتها هذه القضية تكشف مدى توغل النفوذ الصهيوني في السياسية البريطانية، لاسيما مع علو صوت المنتقدين لهذا الاختراق الإسرائيلي. كيف أصبحت السياسة البريطانية مرتهنة بالنفوذ الصهيوني؟ أحد الوزراء السابقين في حكومة ديفيد كاميرون السابقة كتب مقالًا في صحيفة ذي ميل أو صنداي دون التصريح باسمه، كشف فيه كيف أصبحت السياسة الخارجية البريطانية مرتهنة بالنفوذ الإسرائيلي، مؤكدًا أن مساعي السفارة الإسرائيلية للتأثير في الحياة العامة البريطانية تجاوزت بمراحل التخطيط للإطاحة بالوزراء غبر المتعاونين مع الكيان الصهيوني. وقال في المقال: لم يتوقف حلفاء إسرائيل في حزب المحافظين وحزب العمال عن العمل مع الحكومة الإسرائيلية ومع سفارتها في لندن، بل وحتى العمل لهما، في سبيل الترويج للسياسة الصهيونية وإعاقة سياسة الحكومة البريطانية وتقويض إجراءات الوزراء الذين يحاولون الدفاع عن الحقوق الفلسطينية. مضيفًا أن ثمة حاجة إلى تحقيق شامل وكامل في سلوكيات السفارة الإسرائيلية وفي ارتباطاتها وفي علاقات وتمويل أصدقاء إسرائيل في بريطانيا. واشار إلى أنه: بينما ينبغي على كافة الأحزاب السياسية الترحيب بالدعم المالي الذي تقدمه الجالية اليهودية في بريطانيا، إلا أنهم لا ينبغي أن يقبلوا أي نشاط يرتبط بإسرائيل، إلى أن تتوقف تمامًا عن البناء غير القانوني للمستوطنات في الأرض الفلسطينية، كما كتب يقول: إن هذا التمويل غير الشفاف والتعامل بالباطن عار وذل وطني، ولا بد أن يجتث من الجذور. كيف يتحرك اللوبي الصهيوني في الحياة الحزبية البريطانية؟ تدور حرب شرسة داخل حزب العمال البريطاني، الذي بدا واضحًا في السنوات القليلة الماضية أنه خرج عن خط دعم الكيان الصهيوني، فبعد أن كان حزب العمال البريطاني دائم الداعم لإسرائيل في المملكة المتحدة، خرجت أصوات في الفترة تغير من هذا النهج، وتدعم القضية الفلسطينية شيئًا فشبئًا، وهو أظهره تصويت مجلس النواب البريطاني بأغلبية من حزب العمال لصالح الاعتراف بدولة فلسطين في أكتوبر عام 2014، الأمر الذي تحرك على أثره اللوبي الصهيوني في بريطانيا للنيل من هذا الحزب. وفي مايو عام 2015 نشطت تحركات منظمات اللوبي الصهيوني في بريطانيا، وأعلنت موقفها المؤيد لحزب المحافظين على حساب حزب العمال، حيث سارع الكثير من الشخصيات وجماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل بسحب تأييدهم لحزب العمال، وذلك عقابًا على مواقفه المؤيدة للفلسطينيين. كما حاول اللوبي الصهيوني إسقاط رئيس حزب العمال اليساري المعارض جيرمي كوربن، وتغيير واجهته الداعمة للقضية الفلسطينية والمناهضة للاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته المستمرة، بعد تصريحاته المنتقدة للكيان الصهيوني. كيف تتحرك بريطانيا خارجيًّا لمصلحة الكيان الصهيوني؟ جاء تأثير النفوذ الإسرائيلي في الداخل البريطاني واضحًا على السياسة الخارجية البريطانية، وهو ما ظهر في الفترة الأخيرة، فكانت المملكة الوحيدة من بين الدول السبعين التي شاركت في مؤتمر باريس للسلام في الشرق الأوسط، وأعلنت تحفظها على البيان الختامي الذي أكد حل الدولتين، وعلى الرغم من أن بيان المؤتمر لا يشكل وثيقة دولية يعتد بها، ويمكن أن تندرج في إطار قرارات الشرعية الدولية، إلا أن لندن جاءت على عكس مواقف كل الدول الأوروبية متحفظة، الأمر الذي رآه البعض بالمعنى السياسي تأييدًا للموقف «الإسرائيلي» الرافض لأي حل للقضية الفلسطينية ووقف الاستيطان. هذا الموقف كان قد سبقه موقف سلبي آخر منذ نحو أسبوعين، عندما انبرى المتحدث باسم رئيسة الحكومة البريطاني تيريزا ماي للرد على وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الذي اعتبر الاستيطان «غير قانوني ويهدد السلام وحلّ الدولتين»، إذ تعمّد المتحدث تقريع كيري، معتبرًا أن الاستيطان ليس العقبة الوحيدة «وليس من المناسب مهاجمة إسرائيل، وهي حكومة حليفة ومنتخبة ديمقراطيًّا، وهذا أمر غير لائق». وبعد أن رفضت التوقيع على البيان الختامي لمؤتمر باريس للسلام في الشرق الأوسط يوم الأحد الماضي، بحجة أنه يشدد من مواقف الأطراف المعنية، حالت بريطانيا في اليوم التالي للمؤتمر، يوم الاثنين الماضي، دون تبني مجلس وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي بيان باريس، وقد أغضب السلوك البريطاني الكثير من الدول الأعضاء التي رأت في ذلك محاولة من بريطانيا لإرضاء الإدارة الأمريكية الجديدة المنتخبة برئاسة ترامب، بعد غضبه من التصديق البريطاني على قرار مجلس الأمن الدولي 2334 منذ بضعة أسابيع.