بعد الاضطرابات التي شهدتها بريطانيا في عام 2016، يمكن لأوروبا أن تحظى بعام من الهدوء، لكن هذا لن يحدث، حيث ستعقد أربعة انتخابات في أربع دول من أصل الأعضاء الست الرئيسين المؤسسين للمشروع الأوروبي، في مواجهة الموجة الشعبوية المشككة في شرعية الاتحاد الأوروبي، على الأقل سيتم تغيير النظام في بلد واحد، وهو فرنسا، حيث إن الرئيس الفرنسي الحالي فرانسوا هولاند، لا يحظى بشعبية كبيرة تؤهله لقيادة بلاده مرة أخرى، وستكون مفاجأة إذا أصبح هو الزعيم الأوروبي الوحيد الذي سيرحل، فربما يتمسك الآخرون بالسلطة، لكن ستضعف قوتهم بسبب نجاح الشعبويين. لا يزال شبح الانهيار المالي يطارد السياسة الأوروبية، فقد تمت طباعة الأوراق المالية وحفظها في البنوك، لكن الانتعاش يعاني بسبب الركود الكبير في مستويات المعيشة، مما يقود إلى العزلة والاستياء والغضب، ولولا الغضب والظروف التي تمر بها الولاياتالمتحدة، لما استطاع دونالد ترامب الفوز وحده بالرئاسة، فالظروف هي من خلقت فوز ترامب، وهو ما يحدث حاليًا في أوروبا. يتطلع الناخبون الأوربيون إلى الحماية بعدما كشف سريعًا عن عجز الحكومات التي كانت تسيطر على أجزاء واسعة من السياسات الاقتصادية للاتحاد الأوروبي، أما الصدمة الثانية الكبيرة، هي موجة الهجرة العالمية، الموضوع الشائك في الاتحاد الأوروبي؛ لأن أغلب الأعضاء استسلموا للسيطرة على الحدود بعد توقيع اتفاق المهاجرين مع تركيا. الأوروبيون غير سعداء بتلك الحالة التي وصلت إليها بلدهم، وبالتالي يلجأون إلى الشعبوية، وظهر ذلك في معظم الانتخابات الأوروبية، لتصبح المعركة بين المتمردين والمدافعين عن النظام القائم، تتجلى تلك الحالة في هولندا، حيث من المرتقب التصويت يوم 15 مارس، ومن المتوقع فوز حزب الحرية برئاسة جرين فيلدر، ووصوله إلى الحكم، وهو حزب يميني له مواقف عنصرية، حيث يكره الحزب ما يسمى ب«الأسلمة» وكثيرًا ما ينتقد الإسلام، كما يدعو للخروج من الاتحاد الأوروبي. ومن دون الفوز برئاسة الوزراء، يؤثر فيلدر بالفعل على السياسة الهولندية، حيث صوت مجلس النواب في الآونة الأخيرة من أجل فرض حظر جزئي على النقاب، كما دعى فيلدر لحظر القرآن، كما أن قوة فيلدر تعني أن أي حكومة هولندية لن تصبح مستعدة للتوقيع على التحولات المالية التي من شأنها توظيف منطقة اليورو بشكل صحيح كاتحاد نقدي. ليست الانتخابات الهولندية فقط هي ما تدعو إلى القلق الأوروبي، لكن تأتي الفرنسية أيضًا، حيث توجد قصة مشابهة لليمينية مارين لوبان، التي من المحتمل أن تصل إلى الجولة النهائية في أبريل لمواجهة فرانسوا فيون، رئيس الوزراء السابق. تتبع لوبان مبدأ الخوف من الأسلمة، وتحظى بتأيد قوي من الناخبين في الطبقة العاملة، مثل ترامب، وهي تعمل أيضًا على مسألة الهجرة، وبالنسبة لفيون، فإن وجهات النظر اليمنية الاقتصادية الخاصة به ستجعل من الصعب وربما من المستحيل تصويت اليسار له. الانتخابات التي قد تؤدي إلى تلف المشروع الأوروبي بشكل كبير هي الإيطالية، بعد هزيمة ماتيو رينزي، في استفتاء الإصلاح الدستوري الأخير، الذي عبر عن غضب الإيطاليين، خاصة في جنوبإيطاليا التي تعاني اقتصاديًّا بشكل كبير. وما يجعل إيطاليا مختلفة عن باقي الدول الأخرى، أنه لا يوجد فقط حزب سياسي واحد من يعارض اليورو، كل أحزاب المعارضة الرئيسية ضد اليورو، وبشكل متزايد. الانتخابات الألمانية أقل إثارة بكثير، حيث إن المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل في وضع جيد لتأمين فترة ولاية جديدة، حتى مع وجود معارضين لها، لدعمها أزمة اللاجئين، والهجمات الإرهابية التي تعرضت لها ألمانيا، وكان آخرها هجوم سوق عيد الميلاد في برلين. إلى حد كبير ميركل هي الأكثر نفوذًا في أوروبا، حيث تتخطى شعبيتها 57%، ويجعلها الأكثر حظًّا للفوز بالانتخابات. سبيكتاتور