لم تعد حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حليفة للغرب، ولا يمكن الاعتماد عليها، نتيجة سلوكها المقلق والمتنامي يومًا بعد يوم، على الرغم من أن تركيا كانت من أكثر الدول ترشيحًا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بعضوية كاملة. حيث قدمت طلبًا للمجتمع الاقتصادي الأوروبي، قبل إنشاء الاتحاد، في عام 1987، للانضمام إليه، وبعد 12 عامًا تم الاعتراف بها رسميًّا كمرشح، وبعد ست سنوات بدأت مفاوضات الانضام إلى الاتحاد الأوروبي. انتظرت تركيا 30 عامًا لتصبح موضوع ترحيب في أوروبا، ولكن في عام 2016، وحين كانت أنقرة على وشك الحصول على ما تريده، أصاب حكومة أردوغان نوع من الإحباط مع وتيرة المفاوضات، وبدأت في ابتزاز قادة الاتحاد الأوروبي علنًا، بالإضافة إلى الدول الأوروبية والمواطنين الأوروبيين. وبموجب اتفاق تم التوصل إليه في مارس بشأن وقف تدفق اللاجئين السوريين إلى تركيا، تم التعهد لتركيا بدخول مواطنيها إلى أوروبا دون تأشيرة، إذا استوفت أنقرة الشروط التي حددها الاتحاد الأوروبي، وكانت خمسة شروط، تتعلق بحماية البيانات ومكافحة الإرهاب، لكن أردوغان وضع مزيدًا من الضغوط على المجتمع الأوروبي لتنفيذ هذه الشروط الخمس. لم يلتزم أردوغان بما حدده الاتحاد الأوروبي، وهدد بفتح الحدود للاجئين للعبور إلى أوروبا، مما أثار القلق بين القادة الأوروبيين بشأن صفقة اللاجئين وانهيارها، حيث إن كل الإشارات الصادرة من أنقرة تؤكد هذه المخاوف، ففي أغسطس الماضي، حذر وزير الداخلية التركي ميلفوت كاف أغلو، من أن تركيا قد تخل بوعودها تجاه تدفق اللاجئين غير الشرعيين إلى أوروبا، حال عدم سماح الاتحاد الأوروبي بدخول الاتراك إلى أوروبا دون تأشيرة. لم يكن متوقعًا من الاتحاد الأوروبي القبول والترحيب بدولة استبدادية مثل تركيا، كما أدى توسع أردوغان في حملة القمع على المعارضة إلى إثارة المخاوف الأوروبية، ووفقًا لهانز كريستسان ستروبل، عضو حزب الخضر في البرلمان الألماني، فإن وكالة الاستخبارات التركية لديها نحو 600 مخبر في ألمانيا، للتجسس على معارضيها، وهم الأشخاص الذين يرغب أردوغان في اعتقالهم في المستقبل. في الواقع يراقب هؤلاء الجواسيس الأتراك الأكراد، وأنصار جولن، والبعض الآخر الذي ينظرون إليه على أنه من معارضي النظام الحالي في أنقرة على الأراضي الألمانية، وبالتالي ينتهك أردوغان وحكومته القيم الأوروبية التي تتطلب دخول تركيا كعضو في الاتحاد الأوروبي. قامت وسائل الإعلام التركية الموالية للحكومة بانتقاد المعارضين الاتراك في ألمانيا، وقدمت دعوات بمقاطعة أعمالهم، وأوفدت تهديدات ضد أسرهم. جواسيس أنقرة في ألمانيا يعملون فقط لإظهار الحس الوطني، وهذا ما يفعله الأتراك في الدول الأوروبية وهم يحصلون على تأشيرة، فماذا لو تمكنوا من دخول أوروبا دون تأشيرة؟ أصبح أردوغان يتبع أسلوبًا متغطرسًا مع الولاياتالمتحدة كما هو الحال مع أوروبا، خاصة مع وجود عالم الدين التركي وحليفه السابق، فتح الله جولن، في أمريكا، فهو يحاول الضغط على الحكومة الأمريكية لتسليم جولن، وقد قدمت تركيا شكوى جنائية ضد رئيس هيئة الأركان المشتركة جوزيف دانفورد، ومدير الاستخبارات الوطنية جيمس كلابر، والجنرال جوزيف فوتيل، قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، متهمة إياهم بدعم جولن، وفي الوقت نفسه ارتفعت أصوات الإعلام المؤيد لأردوغان متهمًا الولاياتالمتحدة بتورطها في محاولة انقلاب يوليو الماضي، حيث ادعت صحيفة يني شفق التركية أن القائد السابق للناتو في أفغانستان الجنرال جون كامبل هو العقل المدبر لمؤامرة الانقلاب. ما يريده أردوغان مثير للدهشة، حيث إنه فقط يتتبع معارضيه بالخارج لاعتقالهم، وبالتالي يتعارض بشكل كامل مع القيم الأوروبية والأمريكية، وفي الواقع تعد تركيا في هذه الحالة مشكلة وليست حلًّا، وبالتالي على الرئيس الأمريكي المنتخب أن يتخذ موقفًا أكثر صرامة ضد أردوغان ونظامه الديكتاتوري، وعلى القادة الغربيين فرض عقوبات صارمة وواضحة على من يهدد الديمقراطية. ناشونال ريفيو