في مثل هذا اليوم من عام 1982رحل عن عالمنا الفنان الكبير زكي طليمات، أحد رواد المسرح، ورغم أننا لم نرَه على شاشات السينما إلا فيما يقرب من اثني عشر فيلمًا، إلا أن اسمه لا يزال يتردد كثيرًا عندما تذكر خشبة المسرح، ليس فقط في مصر، ولكن في الوطن العربي. كان حي عابدين شاهدًا على ميلاده لأب ذي أصول سورية وأم مصرية من أصول شركسية، حيث نشأ في بيت متعدد الثقافات. عندما أتم تعليمه الثانوي بالقسم الأدبي، انضم طليمات إلى فرقة عبد الرحمن رشدي عام 1917، ولكن سرعان ما انفصلت الفرقة، وقضى فترة قصيرة جدًّا في فرقة "جورج أبيض"، ولكنه مل، وبحث عن عمل حكومي. عمل بوظيفة كتابية بحديقة الحيوان، فكان يقضي أغلب اليوم يراقب تصرفات وحركات القرود وتفاعلها مع الزائرين، وكان يرى أن القرود تقوم بأداء حركات تمثيلية مسلية ومضحكة، فأطلق مقولته الشهيرة "القردة هي أستاذي الأول في فن التمثيل"، وكان بعد أن ينهي عمله يقضي ليله في شارع عماد الدين مع زملائه؛ لمشاهدة العروض المسرحية والأنشطة الفنية. حتى قرأ إعلان الحكومة في إحدى الجرائد عن منح فرصة لدراسة الدراما والمسرح على نفقة الدولة، فذهب ووقف أمام لجنة المحكمين، وحاز إعجاب اللجنة، ولكنه لم يكن الرابح الأول، حيث فاز بها الفنان يوسف وهبي. وكان اعتذار يوسف وهبي عن السفر إلى فرنسا لدراسة الدراما؛ لأنه درس سابقًا في إيطاليا، نقطة فارقة في حياة زكي طليمات؛ حيث سافر بدلاً منه؛ لكونه الفائز الثاني في المسابقة. درس طليمات الإخراج المسرحي وفن الإلقاء والتمثيل في باريس على مسرحي "الكوميدي فرانسيز" و"الأوديون"، وعاد عام 1928 يحمل حلمًا بتطوير المسرح، وسعى إلى تقديم العديد من الأفكار، وشرع في تحقيق مشروع النهضة المسرحية. قام بإنشاء معهد للتمثيل تشرف عليه الدولة عام 1930، بمقر سراي موصيري بشارع عماد الدين بالقاهرة، وكان يدرس مواد الإلقاء والتمثيل، وفنية المسرح، وحرفية المسرح أو تقنية المسرح، وتخرج فيه جيل عاشق للفن والمسرح من أهم الممثلين والمسرحيين فى السينما آنذاك. وهو أول مؤسسة تعلم فنون المسرح في الشرق الأوسط وإفريقيا، ولكن الحلم لم يمتد طويلًا؛ حيث أغلق المعهد في العام التالي بأمر من الملك فؤاد، وذلك خوفًا من إنتاج مسرحيات تدعو وتحث على الانقلاب على الملك، وكان هذا الحدث فاجعة لطليمات، الذي يرى حلمه ينهار أمامه. ولكنه ناضل من أجل حلمه، وتصدى لمحاولات عديدة ومتتالية لإغلاق معهد التمثيل، فأشرف على فرقة "اتحاد الممثلين"، وكان حبه للمسرح دافعًا له، حيث أنشأ الفرقة القومية للمسرح، وأشرف على المسرح المدرسي والمسرح الحديث، وشغل منصب أول سكرتير مصري لدار الأوبرا المصرية، مع استمرار المحاولات لفتح أبواب المعهد لمحبي المسرح من جديد، لتصدر وزارة الشئون الاجتماعية قرارًا بعودة المعهد من جديد في مايو عام 1944. امتد تأثير زكي طليمات إلى الكويت، حينما سافر إليها في الخمسينيات، حيث شهد المسرح الكويتي تطورًا كبيرًا بفضله، ليحول التجارب المسرحية هناك التي كانت تقوم على الارتجال بلا نص أو سيناريو أو قصة إلى مسرح حقيقي، وذلك بعد أن استعانت به وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بالكويت، للإشراف على إعادة تأسيس وتوجيه الحركة المسرحية، كما أنه شارك في بناء المسرح التونسي. وعلى الجانب الشخصي تزوج طليمات الصحفية والمسرحية روز اليوسف التي أنجب منها ابنته "آمال"، واستمر الزواج أكثر من 20 عامًا، ولكنهما انفصلا بسبب انشغالها عن بيتها بالعمل، بعد عودة طليمات من الكويت عام 1971، عين مستشارًا فنيًّا للهيئة العامة للسينما والمسرح والموسيقى، وقدم أكثر من 350 عرضًا مسرحيًّا، من بينها: "أهل الكهف" لتوفيق الحكيم، و"تاجر البندقية " لشكسبير، و"غادة الكاميليا"، وشاركته في بطولتها روزاليوسف قبل أن يتزوجها، و"الناصر" و"مدرسة الأزواج" و"تاجر البندقية" و"الفاكهة المحرمة" و"الشيخ متلوف". وشارك في العديد من الأعمال السينمائية، منها: "من أجل امرأة" و"بهية" و"يوم من عمري" و"الناصر صلاح الدين"، وقدم أول عمل متكامل في مجال الفنون الشعبية، وهو أوبريت "يا ليل يا عين" بطولة نعيمة عاكف ومحمود رضا، وحصل على العديد من الجوائز: نيشان الافتخار من درجة كوماندور من "الحكومة التونسية"، وجائزتي الدولة التشجيعية والتقديرية في الفنون.