تشهد الأيام الراهنة سعيًا روسيًّا إيرانيًّا لإنشاء سوق دولي للغاز، ورغم أن التعاون بين البلدين في الفترة الأخيرة كبيرًا في ملفات المنطقة، خاصة الملف السوري، إلا أن الدولتين دائمًا ما كانتا متنافستين في مشاريع الطاقة وخاصة الغاز، فطهران لديها طموح أن تصدر الغاز لأوروبا، الأمر الذي سيؤدي إلى منافسة أكبر مع روسيا صاحبة أعلى معدلات تصدير لأوروبا الغربية، ما يثير سؤالًا حول طبيعة التفاهم الروسي الإيراني في هذا الملف، ومدى ارتباط هذا التفاهم بالتعاون السياسي في تلك المرحلة. في الأسبوع الماضي حدث تطور مهم للتعاون الروسي الإيراني في مجال الغاز، حيث خرج مدير شركة الغاز الوطنية الإيرانية، حميد رضا عراقي، ليعلن عن ثقته بقدرة موسكووطهران على تأسيس سوق دولي للغاز، قائلًا على هامش توقيع مذكرة تفاهم بين شركة الغاز الإيرانية وشركة غازبروم الروسية ضمن اجتماع اللجنة الاقتصادية الروسية الإيرانية إن "إيرانوروسيا تمتلكان أكبر الاحتياطات الدولية في الغاز، وبالاستفادة من إمكانيات بعضهم بعضًا يمكن لهما تأسيس سوق دولي للغاز"، مضيفًا "هناك إمكانية للارتقاء بقطاع الغاز، ويجب أن نستفيد من إمكانيات شركة غازبروم الروسية المتطورة". هذه التصريحات صاحبها اتفاق تعاون بين غازبروم الروسية وشركة الغاز الإيرانية تم على أثره تشكيل عدة لجان بين الشركتين وعقد جلسات مشتركة دائمة، حيث ستعقد جلسة أخرى بعد شهرين ضمن اللجان التي تم تشكيلها، ويقول عراقي "يمكن لإيران أن تشترك مع روسيا في مشاريع داخل إيران وحتى خارجها"، لافتًا إلى أنه "ولأول مرة يتم توقيع اتفاقية تعاون مشترك بين روسياوإيران في جميع المجالات المتعلقة بقطاع الغاز". ويرتبط ما يحدث في المنطقة من أزمات خلال الأعوام الأخيرة باكتشافات الغاز الجديدة والقديمة بها، فيقول البعض إن ما يحدث في سوريا جاء على خلفية رفض سوري لإنشاء مشروع قطري لمد غاز الدوحة إلى الدول الأوروبية؛ لكسر احتكار تصدير روسيا الغاز لأوروبا، ومن هنا كان التمادي الأوروبي الأمريكي الخليجي في اسقاط الأسد واضحًا والدفاع الروسي كان أكثر وضوحًا. وعلى الرغم من الطموحات الإيرانية الساعية إلى نفس الهدف، إلا أن المراقبين يرون أن هناك تناغمًا استراتيجيًّا بين روسياوإيران بخصوص مستقبل الطاقة، خاصة عملية تصدير الغاز لأوروبا، فمن ناحية تشكك روسيا وحلفاؤها في سياسة قطر والتزامها بالأسعار العالمية؛ فهي تبيع بسعر منخفض، الأمر الذي اعتبرته موسكو نوعًا من الحرب عليها، ومن ناحية أخرى لم يصطدم الطموح الإيراني مع المصالح الروسية، بل تحول إلى تعاون أكثر. وعن هذا التفاهم يقول الباحث هاني سليمان بالمركز العربي للبحوث والدراسات وسكرتير تحرير مجلة آفاق سياسية في تصريحات ل "البديل": رغم أن تاريخ العلاقات بين روسياوإيران يملؤه التنازع على النفوذ في بحر قزوين وشمال القوقاز وما وراءه وفي آسيا الوسطى، إلا أن العلاقات بين البلدين شهدت محطات تعاون عدة، خاصة قيام روسيا ببناء مفاعل بوشهر النووي الإيراني لتوليد الطاقة الكهربائية، علاوة على توقيع اتفاق جنيف المرحلي بين إيران ومجموعة الدول الكبرى في نوفمبر 2013، مؤكدًا أن روسيا بدت أكثر تعاطفًا مع إيران وتفهمًا لموقفها في مفاوضات البرنامج النووي. وبشأن الإعلان عن الرغبة في إنشاء سوق دولي للغاز على الرغم من التنافس الروسي الإيراني في هذا المجال، أكد سليمان أن هذا كان نتاج مقدمات تنسيق عديدة؛ حيث شهد التعاون والتنسيق بين البلدين تفاعلًا ملحوظًا في مجال النفط والغاز؛ بهدف الحفاظ على استقرار السوق النفطي، وضمان حد أدنى لأسعار النفط، وذلك من خلال التحكم في حجم الإنتاج. ويأتي هذا التطور الأخير إلى جانب الاستثمارات المشتركة بين روسياوإيران والتعاون لتطوير صناعة النفط الإيرانية في حقول فارس الجنوبي، فمنذ عام 1997 وهناك مشروع تنقيب عن النفط بواسطة غاز بروم الروسية، كما أن هناك مذكرة تفاهم مع وزارة النفط الإيرانية منذ يوليو 2008 لتطوير التعاون المشترك في مجالي النفط والغاز، واتفق الطرفان على تشكيل مؤسسة مشتركة للتنقيب، واستغلال الحقول النفطية، ومكامن الغاز، وتوريد الغاز الروسي للمناطق الشمالية من إيران. وتعد إيرانوروسيا من أكبر منتجي الغاز في العالم ومن الدول التي تملك احتياطات كبيرة من مصدر الطاقة هذا، ويتعاون البلدان في مجالات اقتصادية عدة. وعن تدعيم هذا التعاون الاقتصادي، أشار الباحث المصري في تصريحاته ل "البديل" إلى زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإيران، أثناء حضور قمة الدول الخمس المطلة على بحر قزوين، وزيارة أخرى في نوفمبر 2015 للمشاركة في القمة الثالثة، التي عقدها في طهران منتدى الدول المصدرة للغاز وعلى رأسها إيرانوروسيا، مؤكدًا أن العقوبات على إيران، والعقوبات على روسيا، بعد أزمة أوكرانيا، جاءت سببًا قويًّا للتقارب، خاصة مع تطلع روسيا إلى الكثير من المزايا الأمنية والاقتصادية والعسكرية التي من الممكن أن تحققها بمساعدة إيران في الاتفاق النووي، مما سيساهم في التخفيف من الخسائر الناتجة عن العقوبات الغربية المفروضة على موسكو وانخفاض سعر العملة المحلية "الروبل". وتنتج إيران حاليًّا 173 مليار متر مكعب من الغاز سنويًّا مخصصة بشكل أساسي لسوقها الداخلي، بحسب أرقام وزارة النفط، ويقتصر التصدير على البلدان المجاورة، مثل تركيا والعراق وأرمينيا، وتهدف إيران لأن تتمكن بمساعدة المجموعات النفطية والغازية الدولية الكبرى، ومنها الروسية، من زيادة الكميات المعدة للتصدير، لتصل بحلول عام 2020 إلى 1.3 مليار متر مكعب يوميًّا. وحول التناغم الروسي الإيراني في عملية التصدير أوضح سليمان أن تأكيد روحاني أن إيران لا تخطط أن تكون بديلًا للصادرات الروسية من الغاز بعد فرض العقوبات الغربية عليها نتيجة الأزمة الأوكرانية ساهم في هذا التناغم، بل تعهد روحاني بالمساعدة الثابتة لروسيا؛ لكسر حصتها من العقوبات الدولية، مؤكدًا أن تنافس روسياوإيران على أكبر احتياطي في العالم من الغاز الطبيعي بفروقات بسيطة، لم يسهم في الصراع، بل قاد إلى اتجاه تعاوني داخل منظمة أوبك للتأثير على الأسعار، وصولاً لإقامة السوق الدولي للغاز، مؤكدًا أن ذلك التعاون الاقتصادي في حقيقة الأمر هو تعاون من أجل السياسة، خاصة التنسيق المشترك في ملفات عديدة، وأهمها الملف السوري.