بعد قتال دام 7 أشهر، أعلنت حكومة الوفاق الليبية، غير المعترف بها دوليا، الانتهاء من عملية البنيان المرصوص، واستعادة مدينة سرت التي يتمركز فيها مسلحو داعش الإرهابي منذ 2015، والتي سقط فيها أكثر من 700 قتيل و3 آلاف جريح منذ بدء العملية العسكرية. وبعد حسم المعركة، تبقى الأسئلة مطروحة حول مستقبل ليبيا والصراع، والوجهة التي سيتجه إليها التنظيم بعد القضاء عليه في سرت. مستقبل الوضع السياسي على الرغم من احتفاء قطاع من الليبيين بالنصر على داعش بعد معركة قاسية استمرت عدة أشهر انتهت برفع العلم الليبي فوق مدينة سرت، فإن هذا الانتصار رآه ليبيون أبعد من أن يضع حلًا للأزمة السياسية المستمرة منذ أعوام، إذ تستمر البلد في الانقسام بين 3 حكومات متناحرة لكل منها قواتها، واحدة في الشرق منبثقة عن برلمان معترف به دوليا ويدعمها خليفة حفتر، قائد الجيش الليبي، والأخريان في الغرب وتحديدًا في طرابلس، واحدة تابعة للإسلاميين سابقًا، وأخرى منبثقة عن اتفاق الصخيرات ولم يتم الاعتراف بها حتى الآن من البرلمان بسبب الخلافات الداخلية لكنها تحاول أن تفرض سيطرتها بمعكرتها الأخيرة مع داعش في سرت التي سميت ب«البنيان المرصوص». وفي أول مشهد يوحي بتمدد الانقسامات، حاولت قوات البنيان، بعد ساعات فقط من تطهير آخر أحياء سرت، أن تتجه نحو منطقة الهلال النفطي في مسعى لاستعادة السيطرة على موانئ النفط التي خضعت لسيطرة قوات الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر قبل 3 أشهر. من ناحية أخرى واصل الجيش الليبي بقيادة حفتر عملياته ضد الجماعات المتطرفة في بنغازي، بعدما حقق انتصارات مهمة على جماعات متشددة في شرق ليبيا، كما أنه استعاد السيطرة على الموانئ النفطية ونجح في رفع الإنتاج إلى نحو 600 ألف برميل يوميا خلافا لما كان عليه الوضع حين كان حرس المنشآت النفطية بقيادة إبراهيم الجضران، الذي كان يتولى إدارة الموانئ بتنسيق مع حكومة الوفاق في طرابلس. ويقول المحلل الليبي طارق مغريسي، في تصريحات صحفية إن سلطة الدولة لا تزال غائبة وإن أي مشاعر وطنية عززتها الحملة في سرت سوف تتبدد قريبا على الأرجح، قائلًا "الآن انتهى الأمر وكل شيء سيعود لطبيعته لأن الانقسامات لم تلتئم بعد ولم تتوقف محركات الصراع أو تتعطل. الكل كان يناور وينتظر نهاية لذلك حتى يستطيع العودة إلى الصراع". وما يعزز من الجمود السياسي وتعزيز فرص التشابك العسكري بين الفرقاء هو أن ردود الفعل الدولية المحلية على انتصار البنيان المرصوص في سرت وإنهاء تنظيم داعش كان ضعيفا وغير متوقعا، وأرجع المحللون ذلك إلى تعامل الليبيين مع هذا الانتصار كملف سياسي وليس كمشروع وطني يدافع عن استقرار وأمن ليبيا على أساس أن أحد الفرقاء هو المنتصر ويعد خارج سياق الجيش الليبي، كما أن انتماء غالبية قوات البنيان المرصوص إلى مدينة مصراتة غرب البلاد ساهم في خفض الاحتفاء بالنصر على تنظيم داعش، بسبب أن مدينة مصراتة محسوبة على اتجاه سياسي معين (الإسلامين)، ولم تحل كثيرا من الملفات العالقة. دعا المراقبون لانتهاز هذه الفرصة لانضواء قوات البنيان المرصوص تحت حكومة الوفاق الوطني، وعدم الخروج عليها ضمن أية مشاريع سياسية أخرى، وإلا ستعامل كأي طرف يحمل سلاحا خارج الشرعية، وطالب المحلل السياسي صلاح الشلوي، حكومة الوفاق بترتيب شؤون مدينة سرت المحلية عن طريق تفعيل الأجهزة الأمنية والخدمية، وإعادة إعمارها وتسكين أهلها فيها بإزالة الألغام وتوصيل الخدمات الأساسية، والتحقق من عدم وجود عناصر غريبة في المدينة. إلى أين يتجه داعش؟ وفي نفس الإطار كثرت الأحاديث عن وجود بقع إرهابية أخرى خارج نطاق سرت، حيث أشار المراقبون إلى تسلل عناصر من داعش من سرت إلى الجنوب الليبي بالقرب من الحدود الجزائرية الليبية، والنيجر، لاسيما بعد حدوث عمليات خطف لإيطاليين، حيث أفاد بعض سكان المناطق هناك بوجود تحركات غريبة من بعض الأشخاص، بالإضافة إلى الغارات الأمريكية الفرنسية التي استهدفت بعض عناصر أنصار الشريعة وداعش بهدف قتل القيادي مختار بملختار، والذي لم يتم التأكد حتي الآن من مقتله. وأكد المحلل السياسي الليبي عبد الباسط بن هامل، أن داعش قد يتوجه إلى أقصى الغرب الليبي فى مدينة صبراته، والتي يوجد بها خليط غريب من الجماعات المتشدده، موضحًا أن هناك توقعات بتصعيد عسكري بين الميلشيات فى مدينة طرابلس، حيث تقود كتائب مصراتة حربًا داخل طرابلس، ضد كتائب تابعة للمفتي السابق صادق الغرياني، وبقايا وفلول شوري بنغازي ودرنة وإجدابيا، التي ذهبت إلى طرابلس وأصبحت موجودة هناك، مما يعجل بمعركة أخرى قوية داخل العاصمة.