ثوار مصر تاج على رؤوسكم جميعا أمعن المحللون السياسيون فى تحليلاتهم التى دارت حول الحراك السياسى على الساحة المصرية وركزوا على ان الساحة السياسية فى مصر تبرز فيها قوتان لا غير تلاقت مصالحهما هما قوة التيارات الاسلامية التى فازت فى الإنتخابات التشريعية وشكلت بمجلس الشعب الأغلبية ، وقوة عسكرية ساندتها ودعمتها هى قوة المجلس العسكرى ، ولم يشر اى من المحللين الى قوة ثالثة تشكلت على أرض الواقع ( قوة الشعب المصرى بشبابه الثائر بمختلف أطيافه ) تلك القوة التى كان لها دور كبير فى صعود الاسلاميين والعسكريين الى سدة السلطة ، وكان لها فضل كبير أيضا فى تحويل الجماعات الاسلامية من جماعات محظورة الى جماعات فتحت لها ابواب البرلمان مشرعة على مصراعيها ، كما لها الفضل أيضا فى تحويل اعضاء المجلس العسكرى من مجلس تابع لمبارك منحنى له ومنفذا لأوامره الى مجلس مخلصا له ومنقذا يحسب له مبارك ألف حساب . ورغم هذا الفضل إلا أننا نرى القوتان ( التنيارات الاسلامية – المجلس العسكرى ) قبل وبعد إنتهاء الإنتخابات يمعن كلاهما فى تفتيت القوة الثالثة ويسعى بكل ما أؤتى من قوة الى محوها من على أرض الواقع ، ومحو ثقافة ميدان التحرير من أذهان الناس ، بحجة ان مهمة الميدان قد انتهت بصعود القوتين الى السلطة وكلاهما يراهن على ما يشكله فى وجدان الشعب المصرى ..فالتيارات الاسلامية تراهن على الغالبية التى انتخبتهم ، والمجلس يراهن على مكانة الجيش فى نفوس الناس وعقيدة احترامه وعدم المساس به وإعتباره خط أحمر . وعلى هذا الأساس بدأت كل قوة فى تجاهل ثوار الميدان ، وتشويه صورتهم ، والتقليل من شأنهم وكلما برزت تلك القوة مطالبة بإستمرار الثورة من أجل التطهير أمعن المجلس فى التصدى لها بقوة وعنف مستخدما كل أسلحته الفتاكة فظهرذلك واضحا فى أحداث ماسبيرو وشارع محمد محمود ومجلس الوزراء فأرتكب من الجرائم ما يندى لها الجبين ملوثا سمعته وسمعة الجيش المصرى ، معتمدا إعتماد كلى على صمت وفتاوى التكفير والتخوين التى صدرت من الرموزالاسلامية ضد الثوار وإنحياز تلك القوى الاسلامية له بإعتباره الشريك الداعم له فى سلطة تم إقتسامها فيما بينهما ، وإعلام منحاز انحياز كلى أيضا للمجلس العسكرى وكل من يدور فى فلكه أخذ يطبل ويزمر لكل بوق سلطوى ففقد مصداقيته فى الشارع المصرى . أمام هذه الكوميديا السوداء نجد كلا من المجلس العسكرى والتيارات الإسلامية لا يخجلان وهما يطالبان القوى الثورية بمنحهما الثقة فى نواياهما والتخلى عن مطالبهم الثورية بحجة أمن البلاد واستقرارها ...فكان الرد قويا ومزلزلا يومى 25 و 27 يناير 2012م عندما أحتشد الملايين من شباب مصر ورجالها ونساءها وأطفالها فى كل محافظات مصر وميادينها وشوارعها ..بأن لا ثقة فيمن قتل شبابنا ولا فيمن أعتدى على نسائنا ولا فيمن حمى لصوص أموالنا ، ولا ثقة فيمن صمت على كل تلك الجرائم وشارك بصمته فى هدر دمائنا ..رسالة قوية لقوة اراد اصحاب السلطة لها ان تموت وتفنى مع كل من ماتوا من الشهداء ..متجاهلين وقائع التاريخ التى تحدثنا ان دماء الشهداء تحيى لا تميت ..وان وراء كل شهيد آلآلآف من مشاريع شهادة تطالب بدمه وبالثأر ممن قتلوه . الملايين التى خرجت يوم 27 يناير بمختلف الأطياف هى القوة الثالثة التى يجب على المجلس العسكرى والتيارات الاسلامية ان تضعها فى الإعتبار وفى حساباتهما ، بل وتضعها تاج على رؤوس الكل ..تاج على رؤوس نواب البرلمان ، وتاج على رؤوس أعضاء المجلس العسكرى ، وتاج على رأس كل إعلامى حاول التقليل من قدرة تلك القوة على فرض إرادتها على الساحة . الثوة الثالثة هى قوة الشعب المصرى الذى أثبت للجميع أنه لا يسير إلا خلف ثواره المطالبين بحقوقه ، وأثبت الثوار ان لهم القدرة على تحريك الشارع المصرى ودفعه الى الخروج ، وقدرته تلك أكبر من قدرة أى فصيل اسلامى سيطرت عليه حالة الكبر والغرور والغطرسة وظن ظن السوء انه يمتلك الشارع بمن فيه ، واذا به يفاجىء بأن أتباعه وجهوا له رسالة ان الشارع لا يملكه سوى صاحب الحق لا صاحب السلطة والنفوذ . التيارات الاسلامية التى نجحت فى الانتخابات تستطيع إستعادة ثقة الثوار التى فقدت عندما هرولوا الى السلطة على إعتبار أنها مغنم لهم وثمنا لتضحياتهم التى قدموها أو حق مسترد بعد ان كان مسلوبا على مدى عقود ( هكذا يظنون ) ولهذا ترجموا غضب الثوار على أنه محاولة للحيلولة بين التيارات الاسلامية وبين هذه الغنيمة ورفضا لنتائج الانتخابات ، بينما الحقيقة هى رفض من جانب الثوارلتلك الهرولة التى دفعتهم للتحالف مع المجلس العسكرى على حساب دماء الشهداء ، ورفض للصمت الفاجر على فساد المجلس العسكرى وجرائمه ، ورفض لأطماعه فى السلطة واستخدامه لتلك التيارات وإفساح المجال لها نحو البرلمان للحصول على مكاسب سلطوية أكبر مما كانت لهم فى عهد مبارك المخلوع . اما عن .. كيف تستطيع تلك القوى الاسلامية إستعادة الثقة بينها وبين الشارع المصرى ؟ فالحل لا يحتاج من تلك القوى إلا الإنحياز التام لمطالب الثوار والشعب المصرى والتى تنحصر فى : 1 – إعادة محاكمة قتلة الثوار محاكمة عادلة وتقديم كل الأدلة التى تثبت تورطهم فى تلك الجرائم بما فيها الجرائم التى ارتكبت بحق الثوار فى محمد محمود وماسبيرو ومجلس الوزراء وميدان التحرير ، وان يقدم المجلس العسكرى بتهم ارتكاب تلك الجرائم الى جانب تهم الفساد اسوة بمبارك وعصابته . 2 – تطهير الاعلام المصرى من مراكز القوى المضادة للثورة وسن قانون بإلغاء وزارة الإعلام واستبدالها بمجلس اعلامى حر يطلق الحريات ويمنع تكميم الأفواه . 3 – الابتعاد عن لغة التخوين والتكفير لكل المخالفين او المعارضين ..لانها ببساطة لغة من لا حجة لديه ومن لا يملك إلا عصا الدين لإرهاب الناس .. تهم التخوين والتكفير أولى بها كل من خان مصر وخرب إقتصادها ونهب أموالها وحرم شعبها من أبسط حقوقه . 4 – إلغاء حالة الطوارىء إلغاءٌ كليا من مجلس الشعب المنتخب لا من مجلس العسكر الذى يراوغ ويتلاعب بالقوانين ، ومادام تم إعادة السلطة التشريعية لهذا المجلس المنتخب فمن العار ان يصدر المجلس العسكرى أى قوانين فى وجود سلطة تشريعية منتخبة . 5 – الإسراع بسن قانون للحد الادنى من الأجور والحد الأقصى، وتطهير وزارة الداخلية والقضاء والأمن الوطنى من أذناب النظام البائد وتشكيل لجنة لمراقبة السوق والعمل على ضبط الأسعار ومنع سياسة الإحتكار . 6 – الإسراع فى اختيار من يمثل الثوار وليكن الدكتور البرادعى رئيسا للجنة تمثيل الثورة أمام البرلمان ويشاركه خمسة آخرين كما أقترح هو من المشهود لهم بالنزاهة والشرف ونظافة اليد يختارهم الثوار من 6 ابريل وحركة كفاية وحزب العمل الاسلامى وغيرهم من الحركات الثورية التى لاننسى فضلها فى تحريك الشارع المصرى وبث الوعى فيه .. لحضور جلسات البرلمان ومراقبة ادائه والإشراف على تحقيق مطالب الثورة بالكامل . القوة الثالثة هى قوة الشعب المصرى فى فرض إرادته وهى اليد الطولى التى لا تعرف التهاون فى الحقوق وهى الضمانة لأمن البلاد واستقرارها ..ويخطىء من يحاول تفتيتها او تقسيمها مهما كان أغلبية ومهما كانت سلطته العسكرية .. ويوم 25 و27 يناير خير دليل.. وليتذكر الجميع ان تلك القوة الصامدة بكل ما تملكه من ارادة وتحدى واصرار على نجاح الثورة هى الجهة الوحيدة القادرة على الإطاحة بكل العروش حتى ولوامتلكت كل ادوات النفوذ المادى او العسكرى او السياسى .. انها قوة الشعب المصرى الذى استرد عافيته وارادته من ميادين مصر .. فحذارى يا أصحاب الأغلبية البرلمانية تجاهل تلك القوة ...فإما ان تكونوا ثوارا ..أو تكونوا أزلاما للسلطة والجاه والنفوذ ..حينئذ ستسقط كل شعاراتكم الدينية والدنيوية .. وستسقطون كما سقط مبارك ومجلسه العسكرى . 28 يناير 2012م